كتاب فتاوى يسألونك (اسم الجزء: 14)

وقوله وحده حجة، فما الظن بمن ليس قوله بحجة، ولا يجب الأخذ به وأحسن أحواله وأعلاها أن يسوغ له قبول قوله وهيهات أن يسوغ بلا حجة، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سئل أحدهم عن مسألة أفتى بالحجة نفسها فيقول قال الله كذا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو فعل كذا فيشفى السائل ويبلغ القائل، وهذا كثيرٌ جداً في فتاويهم لمن تأملها، ثم جاء التابعون والأئمة بعدهم، فكان أحدهم يذكر الحكم ثم يستدل عليه، وعلمُه يأبى أن يتكلم بلا حجة والسائل يأبى قبول قوله بلا دليل، ثم طال الأمد وبَعُد العهدُ بالعلم وتقاصرت الهمم، إلى أن صار بعضهم يجيب بنعم أو لا فقط، ولا يذكر للجواب دليلاً ولا مأخذاً، ويعترف بقصوره، وفضل من يفتى بالدليل، ثم نزلنا درجة أخرى، إلى أن وصلت الفتوى إلى عيب من يفتى بالدليل وذمه، ولعله أن يحدث للناس طبقة أخرى لا يُدرى ما حالهم في الفتاوى والله المستعان] 4/ 259 - 260.
5. ما يصدر عن المجامع الفقهية من قرارات في النوازل المعاصرة، وإن كان لا يعتبر في حكم الإجماع الأصولي، ولكن قرارات هذه المجامع مقدمة على اجتهادات أفراد العلماء. فالاجتهاد الجماعي الذي تمارسه مجامع الفقه الإسلامي المعاصرة، يعد مَعْلَماً من معالم مسيرة الفقه
الإسلامي في العصر الحاضر، ولا شك أن وجود هذه المجامع وصدور الآراء الفقهية الجماعية عنها يعطي قوة للفقه الإسلامي، وخاصة أن المجامع الفقهية تتصدى لكثير من النوازل الفقهية والقضايا المعاصرة، وهذا يجعل الفقه الإسلامي قادراً على مواجهة تطور الحياة العصرية. ولا شك أن الاجتهاد الجماعي الذي تمثله المجامع الفقهية، مقدم على الاجتهاد الفردي الذي يصدر عن أفراد الفقهاء، فهو أكثر دقةً وإصابةً من الاجتهاد الفردي، كما أن فيه تحقيقاً لمبدأ الشورى في

الصفحة 8