كتاب تفسير العثيمين: من جزء قد سمع وتبارك - ط مكتبة الطبري

ذَلِكَ أَمْرًا}، فما هو الأمر؟ أن يُراجِعها، فإذا بقِيَت في البيت، وتغيَّر رأيُه، والقلوب بيد اللّه عز وجل، قد يقلِبُ البغضاء محبةً، والمحبة بُغْضًا، يُراجعها في البيت وكأن شيئًا لم يحدث، ولهذا قال: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}، وبهذا التعليل عرفنا أنه لو كان الطلاق آخر ثلاث تطليقات - يعني: الطلقة الثالثة -، فإنه له أن يُخرِجها؛ لأنه لا يحدث بعد ذلك أمر؛ إذ لا مُراجعة، فهي بائنٌ منه بينونة كبرى، {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} ومتى تبلغ أجلها؟ إذا حاضت ثلاث مرات إن كانت ممن يحيض، فإذا حاضت ثلاث مرات فأمسِكها بمعروف، أو فارِقها بمعروف.
وإذا طهُرَت من الحيضة الثالثة؛ هل يُمسِكها وقد انقضَت العِدَّة؟ يعني: انقضت العدة ولم يُراجِع؟ هل يُراجِعها؟ كثيرٌ من العلماء يقول: لا يُراجِع؛ لأن العِدَّة انقضت، والصحيح: أنه يُراجِعها ما لم تغتسل من الحيض، ولهذا قال: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}، وعلى الرأي الآخر يكون معنى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} أي: إذا قارَبن بلوغ أجلهن، فأمسِكوهن بمعروف، أو فارِقوهن بمعروف.
{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} على المُراجعة، أو على الطلاق، أو عليهما جميعًا؟ عليهما جميعًا.
ثم قال: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} هذه المرأة التي لا تحيض عدَّتها ثلاثة أشهر، هلالية، أو تُكمَل العِدَّة ثلاثين هلالية؛ لأن هذا هو المُعتبَر شرعًا.
وعند العامة أن المُطلَّقة تعتدُّ ثلاثة أشهر ولو كانت تحيض، وهذا غلط، ولهذا لو سُئِلنا: أيُّما أطول: عدَّة الآيِسة، أو عدَّة من تحيض؟ أحيانًا تكون المرأة لا تحيض في الشهرين إلا مرة واحدة، فكم تكون عدَّتها؟ ستة شهور، أحيانًا تحيض في الشهر مرتين، كم عدَّتها؟ شهر ونصف، لكن إذا كانت ممن يئِسَت من المحيض فعدَّتُها ثلاثة أشهر، ولماذا تيأس من المحيض؟ تيأس من المحيض لعدَّة وجوه:
أولًا: أن تبلغ سنًّا ينقطع به الحيض عادة؛ مثل: خمسين سنة، ستين سنة، حسب حال النساء.
ثانيًا: أن تُجرِي عملية بقطعِ الرحِم؛ لأنه أحيانًا يكون في الرَّحِم مرض؛ كالسرطان، فيُقرِّر الأطباء قطعَهُ فيُقطَع، هذه يئِسَت من المحيض، لا يمكن أن يعود إليها الحيض، فعدَّتها ثلاثة أشهر.
ثالثًا: أن تُصاب بجُفوف يُعلَم أنه لن يعود إليها الحيض، أيضًا عدَّتها ثلاثة أشهر.
فكل من يئِسَت من المحيض لأي سببٍ من الأسباب فعدَّتها ثلاثة أشهر؟ ومن أين تبتدئ؟ أمِن علمها، أم من طلاقها؟ من طلاقها.
- وعدة المرأة التي طلقت تكون واحدة:

الصفحة 341