كتاب تفسير العثيمين: من جزء قد سمع وتبارك - ط مكتبة الطبري
أولًا: مَنْ طُلقت قبل الدخول، وهذه لا عدة عليها، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: ٤٩].
ثانيًا: من طُلِّقَت وهي حامل عدَّتُها وضعُ الحمل، لقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}.
ثالثًا: من طُلِّقَت بعد الدخول وهي تحيض، فعدَّتها ثلاث حِيَض، لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}.
رابعًا: من طُلِّقَت بعد الدخول وهي لا تحيض، إما صغيرة، أو آيِسة، فعدَّتها ثلاثة أشهر.
أما الوفاة فهي على نوعين فقط:
الأولى: من مات عنها زوجها وهي حامل فعدَّتها وضع الحمل، طالت أم قصُرَت.
الثانية: من تُوفِّي عنها زوجُها وهي حائل؛ أي: غير حامل، فعدَّتها أربعة أشهر وعشرة أيام سواءٌ حاضت ثلاث حِيَض، أولم تحِض، أو حاضَت أكثر.
وهل مقياس الأشهر الهلال أو العدد؟ الهلال.
وليُعلَم أنه مع الأسف الشديد أن الطلاق صار على أَلْسُن كثيرٍ من الناس سهلًا، يُطلِّق على أدنى سبب، وهذا أمرٌ خطيرٌ، وأنا أضرب لكم مثلًا: كثيرٌ من الناس ينزل به ضيف، ويريد أن يُكرِم ضيفَه بذبيحة من غنمه حاضرة ما تحتاج إلى تعب، فيقول الضيف: عليَّ الطلاق ما تذبح، ويقول المُضِيف: عليَّ الطلاق لأذبحنَّ لك، من نأخذ بقوله؟ كل هذا من السَّفَه، وإني أقول لكم: المسألة خطيرة للغاية، لو قال رجل لامرأته: إن خرجتِ من البيت فأنتِ طالق، فهنا إما أن يريد الشرط، وإما أن يريد اليمين، إن أراد الشرط فإنها إذا خرجت طلَقَت، ولا إشكال في ذلك؛ لأن ذلك طلاقٌ مُعلَّقٌ على شرطٍ وقد حصل، وإذا وُجِد الشرط ثبت المشروط، كما لو قال: إذا طلَعَت الشمس فأنتِ طالق، فإنها إذا طلعت الشمس تطلُق، وهذا محل إجماع من العلماء.
الحال الثانية: أن يريد بقوله: إن خرجتِ فأنتِ طالق الحثَّ على عدم الخروج؛ يعني: يريد منعها، وأتى بهذه الصيغة تهديدًا لها، فخرجت، فهل تطلُق؟
جمهور الأمة، وجميع الأئمة على أنها تطلُق، حتى وإن قصد التهديد، لكن شيخ الإسلام رحمه اللّه يرى أنه إذا قصد اليمين أُعطِيَت هذه الصيغة حكم اليمين، ومعنى: قصد اليمين أنه يقول: أنا لا أقصد الطلاق، وزوجتي عندي غالية، ولا أُفرِّط فيها، لكني ذكرتُ ذلك تهديدًا لها لأجل ألَّا تخرج، يرى شيخ الإسلام ابن تيمية أنها إذا خرجت لا تطلُق لكن عليه أن يُكفِّر كفَّارة يمين.
وقوله هو الصحيح من حيث النظر قياسًا على العتق الذي ورد عن الصحابة رضي اللّه عنهم،
الصفحة 342
605