كتاب تفسير العثيمين: من جزء قد سمع وتبارك - ط مكتبة الطبري

وتعليق الطلاق يقول شيخ الإسلام: إنه ليس معروفًا عند الصحابة، فيُقاسُ على ما كان معروفًا عندهم، وإنما قلتُ لكم ذلك لتحذروا من التعجُّل في هذا الأمر.
وبعض السفهاء إذا أراد أن يُطلِّق زوجته طلاقًا جاء للكاتب، وقال: اكتب: زوجتي طالق بالثلاث، نقول له: إنها طلقة واحدة؛ هل أحد يُجبِرك على أن تُراجِع؟ لا أحد يُجبِره، وإذا انتهت العِدَّة بانَتْ منك؛ لأنك أيضًا إذا طلَّقتَ بالثلاث بقيت هناك مشكلة، وهي: أن أكثر العلماء - ومنهم المذاهب الأربعة - يرون أن طلاق الثلاث بكلمة واحدة طلاقٌ بائن، ما تحلُّ به المرأة.
ومن العلماء من يرى أنها تطلُق طلقة واحدة، كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللّه، وقوله هو الصواب؛ لأن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: كان الطلاق في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - طلاق الثلاث واحدة، وكذلك في عهد أبى بكر، وسنتين من خلافة عمر، فلما كثُر طلاق الثلاث في الناس، وكان عمر رضي اللّه عنه مشهورًا بالحزم، قال: أرى الناس قد استعجلوا في شيءٍ كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم، وقال: من طلق الثلاث لا يمكن أن يُراجِع؛ لماذا أمضاه على ذلك؟ ليرتدع الناس عن الطلاق الثلاث المُحرَّم، فمشى العلماء خلف أمير المؤمنين عمر، وقالوا: إن الإنسان إذا طلَّق بالثلاث بانت المرأة منه، ولم يملك الرجعة إليها إلا بعد زوج.

{وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} والخطاب في قوله: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ} يشمل الشاهد، ويشمل المُستشهِد؛ لأن المُستشهِد الذي طلب الشهادة قد أقام الشهادة، وامتثل أمر اللّه، والشاهد الذي يُؤدِّي ما شهِد به على حسب ما بلغه من العلم هو أيضًا مُقيمٌ للشهادة.
{ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} نسأل اللّه سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم تقواه، وأن يجعلنا من الذين قالوا: سمعنا وأطعنا، وأن يهَب لنا منه رحمة، إنه هو الوهاب.
***

الصفحة 343