كتاب تفسير العثيمين: من جزء قد سمع وتبارك - ط مكتبة الطبري

تفسير سورة المعارج
قال تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (١) لِلْكَافِرِينَ} [المعارج: ١، ٢] وهنا يتبادر إلى الذهن أن يكون الكلام: سأل سائلٌ عن عذاب واقع؛ لأن سأل تتعدَّى بـ (عن)، ولا تتعدَّى بالباء، والكلام هنا أوجِّهه إلى طلبة العلم - ولا سيما الذين يعرفون العربية؛ النحو -، فإنه قد يقول قائل: كيف عُدِل عن (عن) إلى الباء؟
والجواب عن ذلك: أن علماء النحو اختلفوا في مثل هذا؛ فمنهم من قال: إن الاستعارة في الحرف، ومنهم من قال: إن الاستعارة في الفعل.
فالأولون يقولون: إن الباء هنا بمعنى: عن؛ أي: سأل سائلٌ عن عذاب واقع، فأُجيب.
ومنهم من قال: إن عن هنا لا تُقصَد، وأن الاستعارة في سأل، وأنه ضُمِّن معنى الإجابة، كأنه قيل: سأل، فأُجيب بعذاب واقعُ أي: بهذا الجواب.
ثم قال: {لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (٢) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (٣) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: ٢ - ٤] فاللّه عز وجل ذو المعارج، كما قال في آية أخرى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ}؛ لأنه سبحانه وتعالى عليٌّ على خلقه، مُستوٍ على عرشه، وعلوُّه عز وجل ينقسم إلى قسمين:
علو ذات، وعلو صفات.
فأما علو الذات: فإن معناه: أن اللّه بذاته فوق كل شيء، وأنه سبحانه وتعالى مُستوٍ على عرشه كما يليق بجلاله وعظمته.
وأما علو الصفات: فإنه ما من صفة كمال إلا وللّه تعالى أعلاها وأكملها، قال اللّه تعالى: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
واعلم أن علو الصفات قد اتفق عليه أهل القبلة، وأما علو الذات فأنكره من أنكره من أهل البدع، وقالوا: إن الله عز وجل ليس عاليًا بذاته، ثم انقسموا إلى قسمين:
قسم الحلولية، وقسم المُعطِّلة، وليس هذا موضع ذكر المسألة، وحسبُنا أن نؤمن بأن اللّه عز وجل فوق خلقه، مُستوٍ على عرشه.
سأل الإمام مالكًا رحمه اللّه رجلٌ، فقال: يا أبا عبد اللّه! {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}؛ كيف استوى؟ وكان مالك رحمه اللّه في حلقة أصحابه وتلاميذه، فأطرق برأسه حتى علاه الرُّحَضاء -

الصفحة 344