كتاب تفسير العثيمين: من جزء قد سمع وتبارك - ط مكتبة الطبري
والذين لهم هذا الثواب؟ {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا} اللهم اجعلنا ممن يقول ذلك {فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} لماذا يستغفرون باللّه؟ لأنهم قاموا للّه، فجافت جنوبهم عن المضاجع، يدعون ربهم خوفًا وطمعًا، فلما أكملوا قيامهم نظروا في أمرهم، وعاملوا أنفسهم معاملة المذنب المُقصِّر، فجعلوا بعد هذا العمل يستغفرون اللّه عز وجل: اللهم اغفر لنا، اللهم إنا نستغفرك، وما أشبه ذلك من دعوات الله عز وجل بالاستغفار.
يقول عز وجل: {وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} مُشفِقون خائفون من هذا العذاب، ومن خاف من شيءٍ حذِرَه، ومن حذِرَ شيئًا تجنَّب أسبابه، فإذا كانوا خائفين من عذاب اللّه فلابد أن يحذروا منه، وأن يتجنَّبوا أسبابه، وأسباب عذاب اللّه إما تفريطٌ فيما أوجب، وإما وقوعٌ فيما حرَّم، وعلى هذا فهم يجِدُّون كل جِدٍّ في أن يقوموا بما أوجب الله عليهم، يجِدُّون كل الجِد بأن يتجنَّبوا ما حرَّم اللّه عليهم، فهم من عذاب ربهم مشفقون.
يقول اللّه عز وجل: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ} وصدق ربنا جل وعلا، من يأمن عذاب اللّه؟ هل أحد يأمن أن يأتيه عذاب اللّه بغتةً أو جهرةً؟ أبدًا، لا يأمن عذاب اللّه إلا القوم الخاسرون، قال اللّه تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}.
ثم قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٢٩) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} يحفظون فروجهم إلا من هذين الصنفَيْن من النساء: الأزواج، وما ملكت الأيمان، من هنَّ الذين ملكوهم؟ هنَّ الإماء التي تُباع وتُشترى، فإن الأَمَة يجوز لسيدها أن يستمتع بها كما يستمتع الزوج بزوجته.
يقول الله عز وجل: {فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} لا يُلامُون على ما يحصل بينهم وبين أزواجهم، أو بينهم وبين ما ملكت أيمانهم، ولهذا يجوز للإنسان أن يستمتع بزوجته بكل متعة أحلَّها اللّه، ويمتنع من كل متعة منعها اللّه، والمتعة التي منعها اللّه متعتان: المتعة في الفرج في حال الحيض والنفاس، فإن ذلك محرم، لا يجوز للرجل أن يُجامِع زوجته في حال الحيض والنفاس.
والمتعة الثانية: المتعة في الدبر، فلا يحل للإنسان أن يأتي زوجته في دُبُرها.
ويجوز للإنسان أن يستمتع بزوجته فيما عدا ذلك؛ لأن اللّه عز وجل يقول: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٢٩) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} ويدخل في الآية الكريمة: غضُّ البصر، إلا عن الأزواج والمملوكات؛ لأن إطلاق البصر يؤدِّي إلى الفتنة، ثم الوقوع في المحظور، حتى لا يستطيع الإنسان إذا أطلق لنفسه النظر لا يستطيع أن يُحصِّن فرْجَه، فيكون في هذه الحال غير
الصفحة 349
605