كتاب تفسير العثيمين: من جزء قد سمع وتبارك - ط مكتبة الطبري
حافظٍ له.
واستدلَّ أهل العلم بهذه الآية الكريمة: على أنه يحرم على الإنسان أن يستمني بيده، أو بفراشه، أو بأي شيءٍ كان، وهي ما يُعرف عند الناس بـ (العادة السرية)، فإنها حرام، ودليلها هذه الآية الكريمة؛ لأن اللّه قال بعد ذلك: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} يعني: من قال بالاستمتاع بغير هذين الصنفين فإنهم عادُون، فمن استمتع بيده، أو بفراشه، أو ما أشبه ذلك فإنه عادٍ، والعادي هو الجائر الظالم.
ويدل لتحريمها: قول مُرشدنا ومُعلِّمنا، ومن هو بالمؤمنين رؤوف رحيم محمد رسول اللّه: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ! مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلفَرْجِ"، وخاطب الشباب؛ لأنهم ذوو القوة في هذا الأمر "وَمَنْ يَسْتَطِعْ فَعلَيْهِ بِالصَّومِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ"، لم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم -: من لم يستطع فليُخرِج شهوته بما أراد؛ بل قال: "فَعلَيْهِ بِالصَّومِ"، ونحن نعلم أنه لو كان إخراج الشهوة جائزًا لأرشد إليه النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن إخراج الشهوة أيسر من التزام الصوم، ولأن في إخراج الشهوة نوعًا من المتعة واللذة، فلو كان هذا جائزًا ما عدل النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه إلى الأمر الشاق؛ لأن هذا الدين يُسْرٌ، ولا تجد خصلةً مُيسَّرة يعدِل عنها هذا الدين إلا لأنها لا تجوز في شريعة اللّه، وعلى هذا فنستدل على تحريم العادة السرية بالقرآن والسنة.
كما أن هناك أدلة عقلية طبية على تحريمها لما فيها من الضرر العظيم على الجسم، وعلى الغريزة الجنسية، وعلى مستقبل هذه المادة التي هي مادة خلق بني آدم.
ثم قال عز وجل: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} الذين إذا ائتُمِنوا أو عاهدوا راعَوا الأمانة والعهد، فلا يخونون بأمانة، ولا يغدرون بعهد.
يجب على كل من عاهد عهدًا أن يرعَى العهد، كان رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - يعاهد المشركين، ويفِي لهم، فإذا نقضوا العهد انتقض العهد، لما صالح قريشًا في غزوة الحديبية على ترك القتال لمدة عشر سنين، ومضى على هذا الصلح سنتان، ما الذي حصل؟ نقض المشركون العهد، فغزاهم النبي - صلى الله عليه وسلم -.
إذا لم ينقض المُعاهَد عهده، ولكني خِفتُ أن ينقض {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ}، لا تفجأهم بالحرب إذا خِفتَ الخيانة، ولكن ابعث إليهم، وقل لهم: إنه لا عهد بيننا وبينكم، فالمُعاهَد له ثلاث حالات:
إما أن يفي بعهده، ويستقيم عليه، فقد قال اللّه فيه: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}.
الحال الثانية: أن ينقض العهد، وفي هذه الحال لا عهد لهم؛ لأنهم نقضوا العهد.
الصفحة 350
605