كتاب تفسير العثيمين: من جزء قد سمع وتبارك - ط مكتبة الطبري

تُكرِم من يأتي إلى هذا البيت، حتى إنهم يسقون الحُجَّاج الماء المُنقَّع به زبيب، ورسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أحق الناس بالتكريم، يؤذونه هذا الإيذاء، فأُمِر أن يصبر لحكم اللّه.
قوله: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} الآثم: العاصي، والكفور: الكافر؛ يعني: لا تُطِع لا هؤلاء، ولا هؤلاء، وأما المؤمنون فقد أمر اللّه تعالى نبيَّهم أن يخفِض جناحه لمن اتبعه من المؤمنين.
ثم قال اللّه عز وجل: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا}، {إِنَّ هَذِهِ} المُشار إليه: السورة وما ذُكِر فيها {تَذْكِرَةٌ} يتذكَّر بها الإنسان ويتَّعِظ، ثم ينقسم الناس إلى مُنتفعٍ بهذه التذكرة، وغير منتفع، ولهذا قال: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (٢٩) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: ٢٩، ٣٠]، وهنا قد يقول قائل: كيف قال: {فَمَنْ شَاءَ}، ثم قال: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}؟
والجواب: أن نقول: إن مشيئة الإنسان مخلوقةٌ لله عز وجل، فهو الذي خلقها، فلا يشاء الإنسان إلا بعد أن يخلق اللّه فيه المشيئة؛ لأن اللّه خالق كل شيء.
وبيَّن عز وجل أن الأمر إليه، لأجل أن نتَّجِه إلى اللّه عز وجل، وألَّا نفخر بأنفسنا إذا وُفِّقنا للطاعة، فلنعلم علم اليقين أن ذلك من كرم اللّه، ونعمته، وإحسانه.
ثم قال عز وجل: {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ} أي: في جنته، {وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} أي: مؤلمًا.
نسأل اللّه أن يُنجينا وإياكم من عذاب النار، وأن يُدخِلنا في رحمته دار الأبرار، إنه جوادٌ كريم، والحمد للّه رب العالمين، وصلى اللّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
***

الصفحة 359