كتاب تفسير العثيمين: من سورة محمد - ط مكتبة الطبري

الأصغر يُخلَّد صاحبُه في النار، الشرك الأصغر يُعذَّب صاحبُه بقدر ما عمل من الشرك، ثم يكون مآلُه إلى الجنة، الذي يُخلَّد فاعلُه في النار هو الشرك الأكبر، {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}، ومن الشرك: أن يعمل الإنسان العمل للدنيا، يُعلِّم ليأخذ الراتب، يكون إمامًا ليأخذ الراتب، ليس قصده أن يتقرَّب إلى الله بالأذان، ولا أن يتقرَّب إلى اللّه بالإمامة، ولكن من أجل أن يحصل على الراتب، هذا شرك؛ لأنه أراد بعمله الدنيا.
وقد قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه اللّه في "كتاب التوحيد" قال: بابٌ: من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا، وقد قال اللّه تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
هذه النقطة الأخيرة مشكلة؛ لأن كثيرًا من الأئمة، وكثيرًا من المؤذِّنين يقومون بذلك العمل من أجل الراتب، وهذا مُشكِل؛ فهل يعني ذلك أن يتخلَّى عن الأذان والإمامة؟ نقول: نعم، إذا كانت هذه نيَّتُه فليتخلَّى؛ لأن كونه يُصبحُ فقيرًا من المال خيرٌ من كونه يصبح فقيرًا من الإخلاص، ولكننا نقول قبل ذلك: صحِّح النية، انو أنك تتقرَّب إلى اللّه بالأذان وبالإمامة، ولكنك تأخذ ما رُتِّب على ذلك للتقوِّي عليهما، وعلى القيام بهما.
قال ابن تيمية رحمه اللّه في مثل هذا: من أخذ مالًا ليحُجَّ به فلا حرج، ومن حجَّ ليأخذ المال، فليس له في الآخرة من خلاق، وهذا نحتاج إليه فيما يأخذه بعض الناس أيام الحج من الدراهم ليحُجَّ به عن غيره، فإننا نقول له: هل أنت أخذت هذه الدراهم لتحج بها، أو حججتَ لتأخذ الدراهم؟ إن كان الأول فلا حرج؟ لأنه من باب الاستعانة برزق اللّه على طاعة اللّه، وإن كان الثاني، ففيه الحرج؛ لأنه اتخذ الدين وسيلةً للدنيا، والعكس هو الصحيح؛ أن الدنيا هي التي تُتَّخذ وسيلة للدين.
يقول اللّه عز وجل: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ} بما هذه اسم موصول تشمل ما نُزِّل على محمد - صلى الله عليه وسلم - من القرآن والسنة.
قال تعالى: {وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} وهذه الجملة تدل على أن ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام حقٌّ، سواءٌ كان طلبًا أم خبرًا، وحينئذٍ نسأل: ما موقفنا من الطلب، وما موقفنا من الخبر؟
موقفنا من الطلب: الطاعة، أن نقول: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}، ونُنفِّذ إن كان أمرًا فعلنا، وإن كان نهيًا تركنا.

الصفحة 86