كتاب جمع الجوامع المعروف بـ «الجامع الكبير» (اسم الجزء: 14)
هَذَا الْمَوْطِنِ (يعنى: يوم اليمامة) وَإنِّى أَخَافُ أَنْ يَسْتَحرَّ الْقَتْلُ بِقُرَّاءِ الْقُرآنِ فِى سَائِرِ الْمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبُ الْقُرْآنُ، وَقَدْ رَأَيْتُ انْ نَجْمَعَهُ، فَقُلْتُ لَهُ - يعْنِى لِعُمَر -: كيْفَ نَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ! فَقَالَ لِى عُمَرُ: هُوَ وَالله خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ بِى عُمَرُ حَتَّى شَرحَ الله صَدْرِى لِلَّذِى شَرحَ لَهُ صَدْرَهُ، وَرَأَيْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِى رَأَى عُمَرُ، قَالَ زَيْدٌ - وَعُمَرُ عِنْدَهُ جَالِسٌ لَا يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ شَابٌ عَاقِلٌ قَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْىَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لاَ نَتَّهِمُكَ فَاجْمَعْهُ، قَالَ زَيْدٌ: فَوَالله لَقَدْ كَلَّفُونِى ثِقَلَ جَبَلٍ مِنَ الْجبَالِ، مَا كَانَ بِأَثْقَلَ عَلَىَّ مِمَّا أَمَرَنِى بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفعَلْهُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ! قَالَ: هُوَ وَالله خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِى حَتَّى شَرحَ الله صَدْرى لِلَّذِى شَرحَ لَهُ صَدْرَ أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَرَأَيْتُ الَّذِى رَأيَا، فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ وَاللِّخَافِ وَالأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ بَرَاءَةٍ مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِت الأَنْصَارىَّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْره: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةٍ، فَكَانَتِ الصُّحُفُ الَّتِى جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِى بَكْرٍ حَيَاتَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ الله، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ الله، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ".
ط، وابن سعد، حم، خ، والعدنى، ت، ن وابن جرير، وأبن أبى داود في المصاحف وابن المنذر (¬1).
¬__________
(¬1) الحديث في مسند أبى داود الطيالسى (أحاديث أبى بكر الصديق - رضي الله عنه -) ج 1 ص 3 قال: حدثنا أبو داود، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهرى: أخبرنى عبيد بن السباق أن زيد بن ثابت حدثه قال: "أرسل إلى أبو بكر - رضي الله عنه - بقتل أهل اليمامة، وإذا عنده عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: إن هذا أتانى فأخبرنى أن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإنى أخاف أن يستمر القتل بقراء القرآن في سائر المواطن؛ فيذهب القرآن، وقد رأيت أن تجمعه فقلت له - يعنى لعمر - كيف نفعل شيئًا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال لى عمر: هو والله خير، فلم يزل بى عمر حتى شرح الله صدرى للذى شرح له صدره، ورأيت فيه مثل الذى رأى، قال زيد: قال أبو بكر: وأنت رجل عاقل ... قد كنت تكتب الوحى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا نتهمك، فاجمعه". والحديث في مسند الإمام أحمد بن حنبل (مسند زيد بن ثابت) ج 5 ص 188 من طريق عبيد بن السباق، عن زيد بن ثابت بسنده قال: أرسل إلى أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر عنده جالس الحديث. =