كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 14)
وإن لم تحصل نية في الإيقاع؛ هذا على قولنا: إنه تعليق، وكذلك يجيء على قولنا: إنه استثناء؛ فإن الاستثناء بصيغ الاستثناء من الأعداد، ولا أعلم خلافاً فيها، ولم أر أحداً من الأصحاب ذهب إلى اشتراط ذلك فيه، والمطلوب منهما واحد، لأن هذا يرفع الجميع، والاستثناء بصيغة يرفع البعض؛ فاستويا في المقصود.
نعم: يشترط القصد إلى إيجاد اللفظ؛ لينفصل عمن عادته التلفظ به؛ كمن يقول: إن شاء الله تعالى عادة في كل شيء؛ على سبيل التبرك؛ هذا آخر كلامه.
[قلت: والجواب عنه: أن مراد الأصحاب في اشتراط النية: أن تكون نية التعليق مقترنة بأول لفظه؛ كما يشترط ذلك في المشيئة، حتى لو لم تكن موجودة عند قوله: أنت طالق، [و] وجدت عند قوله: إن دخلت الدار، وقع الطلاق قبل الدخول على الأصح، وإذا كان كذلك اندفع ما ذكره، والله أعلم].
عدنا إلى مسألة الكتاب: فإذا قال: أنت طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً، طلقت ثلاثاً؛ لما ذكرناه.
ووجهه في الذخائر بأن حقيقة الاستثناء إخراج بعض ما تناوله اللفظ: كقوله: جاءني القوم إلا زيداً؛ فإذا كان مستغرقاً خرج عن حقيقته، وصار رفعاً لما أوقعه من الطلاق، ورفع الطلاق بعد إيقاعه لا يجوز.
فإن قيل: هذا يقتضي ألا يصح الاستثناء مطلقاً، وإن لم يكن مستغرقاً؛ فإنه إذا قال: أنت طالق ثلاثاً، فقد أوقع الثلاث، فإذا قال: إلا طلقتين، أو: إلا واحدة، فقد رفع باستثنائه ما أوقعه؛ فلا يصح؛ لما ذكرتموه.
قال مجلي: وطريق الجواب عنه: أن الاستثناء مع المستثنى منه كالجملة الواحدة، وهو عبارة عما بقي بعد الاستثناء فإذا قال: له علي عشرة إلا درهماً، كان كقوله: له على تسعة، فأفاد مجموع الكلام، وإذا كان مستغرقاً: كقوله: ثلاثاً إلا ثلاثاً، لم يبق للفظ فائدة، وصار تشبيهاً بالعبث؛ كقوله: ثلاثاً لا تقع عليك؛ فافترقا.
ولو [قال]: أنت طالق ثلاثاً إلا اثنتين وواحدة، فوجهان:
أحدهما: تقع ثلاث طلقات.
الصفحة 31
512