كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 14)

فقالت عائشة - رضي الله عنها -: يرحم الله أبا هريرة، حفظ أول الحديث ولم يحفظ آخره؛ إن المشركين كانوا يهاجون رسول الله -عليه السلام- فقال: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا خير من أن يمتلئ شعرًا من مهاجاة رسول الله -عليه السلام-".
حدثنا علي بن عبد العزيز البغدادي، قال: ثنا أبو عبيدة، قال: سمعت يزيد يحدث، عن الشَّرقي بن القَطَامي، عن مجالد، عن الشعبي، أن النبي -عليه السلام- قال: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا خير له من أن يمتلئ شعرًا -يعني من الشعر الذي هُجِيَ به النبي -عليه السلام-".
ش: أي قال هؤلاء الآخرون، وهذا جواب عن الأحاديث التي احتجت بها أهل المقالة الأولى، بيانه أن هذه الأحاديث واردة علي نوع مخصوص من الشعر، وهو الذي يكون فيه هجاء أو فحش وليس ذلك بممنوع مطلقًا؛ والدليل علي ذلك ما روي عن عائشة وعامر الشعبي فإنهما قد بَيَّنَّا أن المراد من الشعر الممنوع هو الشعر الذي فيه هجاء وثلب عرض وفحش، ألا ترى كيف أنكرت عائشة علي أبي هريرة حيث قالت: "يرحم الله أبا هريرة؛ حفظ أول الحديث ولم يحفظ آخره" أرادت أن مَوْرِد هذا الحديث الذي رواه هو أن المشركين كانوا يهاجون رسول الله -عليه السلام-، فقال النبي -عليه السلام- ما قال من ذلك؛ ردعًا لهم وزجرا لغيرهم عن أن يأتوا بمثل ذلك، وكذلك قال الشعبي، فإنه فسر الشعر في قوله: "خير له من أن يمتلئ شعرًا" بالشعر الذي هُجِيَ به النبي -عليه السلام-، وليس المراد مطلق الشعر فافهم.
أما ما روي عن عائشة: فأخرجه عن يونس بن عبد الأعلي شيخ مسلم، عن عبد الله بن وهب، عن إسماعيل بن عياش -بالياء آخر الحروف المشددة وبالشين المعجمة- بن سُليم الشامي الحمصي، فيه مقال، وعن دحيم: هو غاية في الشاميين وخلط عن المدنيين.
وهو يروي عن محمَّد بن السائب، ضعفه يحيي، وعنه: ليس بشيء. روي له الترمذي وابن ماجه.
وهو يروي عن أبي صالح باذان -ويقال: ماذان- مولى أم هانئ بنت أبي طالب،

الصفحة 12