كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 14)

وأما إذا كتب الحكم المبرم يكفيه أن يقول: ثبت عندي الأمر ببينة أو بحجة أو جبت الحكم ولا يحتاج أن يذكر كيف ذاك، لأن الثاني ينفذ قضاءه لا غير فهو كالوكيل له والنائب عنه، والاجتهاد إلى من يقضي لا إلى من ينوب عنه فينفذه، وإذا كتب بسماع البينة فلابد من أن يسمي الشاهدين فيقول: شهد عندي فلان وفلان وقد ثبت عدالتهما فإن المشهود عليه ربما يمكنه إثبات جرحها عند القاضي المكتوب إليه فيكون الجرح أولى من التعديل، وإذا لم يسمها لم يدر المكتوب إليه بماذا يحكم بل يكون تقليدًا للحاكم الكاتب لا مجتهدًا.
وقال بعض أصحابنا بخراسان: يجوز أن يكتب ثبت عندي بشهادة العدول ولا يسميهم فإن لم تثبت عدالتهم سماهم وهذا ضعيف، ولو ثبت الحكم بالشهود ولم يسمهم بالعدالة هل يكون الحكم بعد تعديلًا أم لا؟ فيه وجهان: أحدهما: يكون تعديلًا لأنه ذكرهم للحكم بشهادتهم تعديل فلا يحتاج إليه ثانيًا، والثاني: لابد من أن يصفهم بالعدالة وبما يجوز به قبول الشهادة لأنه قد يجوز أن يكون الحكم بظاهر التوسم والسمت، وقال أبو حنيفة: لا يتصور الكاتب بالقضاء المبرم إلا أن يقضي على حاضر ويبرم عليه ثم يهرب بماله فيكتب إلى قاضي البلد الذي هرب إليه ليأخذه به أو يكون عن الغائب نائب حاضر فيجوز القضاء على الحاضر والغائب، فأما من عير هذا فلا يقضي على الغائب بل يكتب سماع الشهادة ليبعث الحاكم المكتوب إليه بذلك الرجل المشهود عليه إليه فيعيد الشهود الشهادة علة وجهه ثم يقضي عليه. ولا يقبل شاهد وامرأتان في الشهادة بالكتاب لأن المقصود منه إثبات الكتاب وهو ليس بمال ولا يقصد منه المال ويطلع عليه الرجال فلا يقبل فيه شهادة النساء، وعند أبي حنيفة يقبل فيه شاهد وامرأتان، وأما شهود الكتاب فعدالتهم ينبغي أن تثبت عند القاضي المكتوب إليه لا عند الكاتب، ولو عدلهم القاضي الكاتب لا يثبت، وقال القفال الشاشي: يثبت، وهو غلط لأنه يؤدي إلى تزكية نفسه بنفسه وقوله وهذا لا يجوز.
واعلم أن صاحب "الحاوي" ذكر في هذا الباب ترتيبًا حسنًا فأوردته على وجهه وذلك لوجوب قبول الكتاب ثلاثة شرائط على ما ذكرنا، قسّم الكلام [3 ب/ 12] في صحته ولزوم الحكم به يشتمل على أربعة فصول: أحدهما: فيما يثبت به القاضي من أحكامه، والثاني: فيمن يكاتبه القاضي بحكمه، والثالث: فيما يجب به قبول كتبه، والرابع: فيما يمضيه القاضي المكتوب إليه من حكمه. فأما الأول فأحكامه تنقسم أربعة أقسام: أحدهما: أن يحكم بحاضر على حاضر على غائب بحق غائب، والرابع: أن يحكم لحاضر على غائب بحث حاضر. فأما الأول فالحق على ثلاثة أضرب أحدهما: أن يكون عينًا حاضرة فيحكم القاضي بها لمن استحقها، إما بإقرار أو ببينة وينتزعها من يد المحكوم عليه ويسلمها إلى المحكوم له ولا يجوز في مثل هذا أن يكتب به القاضي إلى غيره سواءً أقام المحكوم عليه أو هرب، والثاني: أن يكون

الصفحة 7