كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 14)

الحق في يد المحكوم عليه مقيمًا بعد الحكم استوفاء منه ولم يكتب به إلى غيره وإن هرب بعد الحكم عليه وقبل استيفائه منه جاز للقاضي أن يكتب إلى قاضي البلد الذي هو فيه الهارب بما حكم عليه من قصاص أو حد أو غيره ليستوفيه القاضي المكتوب إليه وهذا حكم على حاضر فيجوز أن يكتب به من لا يرى القضاء على الغائب، والثالث: أن يكون الحق في ذمة المحكوم عليه من الأموال الثابتة في الذمم فإن كان المحكوم عليه مقيمًا استوفاه القاضي منه له ولم يكتب به [4 أ/ 12] إلى غيره، وإن هرب قبل استيفاء الحق منه فإن كان له مال استوفاه من ماله ولم يكتب به إلى قاضٍ غيره، وإن لم يكن له مال حاضر كتب وهو قضاء على حاضر. وأما القسم الثاني: أن يحكم لحاضر على حاضر بحق غائب فهذا يكون في الأعيان وهذا مما يكتب بمثله القضاة، وثبوت استحقاقه قد يكون من ثلاثة أوجه: أحدهما: أن يقر به المطلوب، والثاني: أن يثبت باليمين بعد النكول، والثالث: أن يثبت بالبينة فإن ثبت استحقاقه بإقرار القاضي فيما يكتب به من حكمه مخيرًا من أن يذكر ثبوت استحقاقه بإقراره أو لا يذكره، فإن المقر لو أقام بينة باستحقاقه لم تقبل منه، وإن ثبت يمين الطالب بعد النكول لزم القاضي فيما يكتب من حكمه أن يذكر ثبوت ذلك عن يمينه بعد نكوله لأن المطلوب لو أقام به بينة قبلت منه وإن ثبت الاستحقاق ببينة شهدت به على المطلوب ففي وجوب ذكرها في كتاب القاضي وجهان: أحدهما: لا يلزمه ويكون مخيرًا كالإقرار، والثاني: يلزمه لأنه قد يجوز أن يعارضها المطلوب ببينة أخرى فيكون ببينة ويده أحق من بينة بغير يد. وللقاضي الخيار من أن يسمي شهود البينة أو لا يسميهم إذا وصفهم بالعدالة، فإن لم يصفهم بالعدالة فقد ذكرنا وجهين.
وأما القسم الثالث: وهو أن يحكم لحاضر على غائب بحق غائب، فإن كان الغائب وقت الحكم حاضرًا ثم غاب فهو حكم لحاضر على حاضر، وإن كان غائبًا عند الحكم عليه نفذ حكمه إن كان يرى جواز القضاء على الغائب ولم ينفذ إن لم يره.
فإن كتب وهو لا يرى القضاء على الغائب بسماع البينة عليه ولم يذكر الحكم بها فإن ذكر الشهادة ولم يذكر ثبوت الحق بالشهادة جاز أن يكتب به ويكون القاضي المكتوب إليه هو الحاكم بها ويكون في كتاب القاضي كالشهادة على الشهادة.
وإن ذكر ثبوت ذلك عنده بالشهادة ففي كون الثبوت حكمًا وجهان:
فإذا قلنا يكون حكمًا لا يجوز أن يكتب به لأنه لا يرى الحكم على غائب، وإذا نفذ القضاء به على ما فصلناه بالحق المحكوم به على أربعة أضرب: أحدهما: أن يكون في ذمته، والثاني: أن يكون في بدنه، والثالث: أن يكون عينًا غير منقولة في بلده، والرابع: أن يكون عينًا منقولة في بلده، فأما الأول: فيستوفي منه إن أيسر به وينظر به إن أعسر، وأما الثاني: فإن كان الحق لآدمي كالقصاص استوفاه المكتوب إليه، وقال أبو حنيفة: لا يجوز فيه كتاب القاضي إلى القاضي ولا يستوفي [حدود الأبدان بكتب القضاة وإن كانت من حقوق الآدميين] لتغليظها وهذا لا يصح لأنه حق لآدمي لا شبهة فيه فجاز كتاب القاضي إلى القاضي كالأموال ونقول: كما جاز فيه الشهادة على

الصفحة 8