كتاب المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (اسم الجزء: 14)

وهذا يعني أن غياب النقدين مبطل للشركة؛ لأنه من قبيل بيع الدين بالدين، وهذا لا يجوز، فإذا كان أحد العوضين حاضرًا خرجت من هذا المحذور، وبقي محذور بيع الغائب، وبيع الغائب جائز عند المالكية ما لم يتفاحش بعده، فإذا تفاحش فالبيع غير صحيح، وإذا لم يتفاحش فالبيع صحيح إلا أنه لا بد من انتظار قبض الغائب ليتمكن الشريك من التصرف فيه على التكافؤ والمساواة مع شريكه وإلا فسدت الشركة بمقدار النصيب الغائب، والله أعلم.
ولأن غياب المال يومين يعتبر في حكم الحاضر؛ لأن ما قرب من الشيء يعطى حكمه، وهذه قاعدة مطردة في مذهب المالكية، ولذلك خفف المالكية تأخير تسليم رأس مال السلم اليوم واليومين من هذا الباب مع قولهم بوجوب تقديم رأس مال السلم.

القول الثالث:
ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يشترط حضور المال عند العقد؛ لأن المقصود من الشركة الربح، وذلك عن طريق التصرف، والتصرف لا يمكن في المال الغائب أو في الدين، فلا يتحقق المقصود من الشركة، ولأن المدين قد لا يدفع الدين، كما قد لا يحضر المال الغائب.
ولأن الشافعية يشترطون خلط المال قبل انعقاد الشركة كما سبق بحثه، والمال الغائب والدين لا يمكن تصور خلطه قبل انعقاد الشركة.
إلا أن الحنابلة يرون أن الشركة إذا عقدت بمال غائب، أو دين في الذمة، وأحضر المال، وشرع الشريكان في التصرف، فإن الشركة تنعقد بهذا التصرف نفسه.
جاء في كشاف القناع: " (ومنها) أي شروط الشركة (حضور المالين كمضاربة) لتقرير العمل، وتحقيق الشركة، (فلا تصح) الشركة على مال (غائب

الصفحة 135