كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 14)

وروى يونس عن أبي عمرو قراءة غريبة: "تتفطرن" بتاءين مع النون، ونظيرها حرف نادر، روي في "نوادر" ابن الأعرابي: "الإبل تشممن". ومعناه: يكدن ينفطرن من علو شأن الله وعظمته، يدل عليه مجيئه بعد {الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}. وقيل: من دعائهم له ولدًا، كقوله تعالى: {تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} [مريم: 90].
فإن قلت: لم قال: {مِنْ فَوْقِهِنَّ}؟ قلت: لأن أعظم الآيات وأدلها على الجلال والعظمة: فوق السماوات، وهي: العرش، والكرسي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (قراءة غريبة): لأن جمع المؤنث الغائب إنما يكون بالياء التحتانية لا بالتاء، قال: "الوجه في مثل هذا تأكيد التأنيث، كتأكيد الخطاب في قولك: أرأيتك؟ وقال: الشاذ على وجوه: شاذ عن القياس، وشاذ عن الاستعمال مع موافقة القياس، وشاذ عنهما جميعًا، وهذا من قبيله".
قوله: (يدل عليه مجيئه بعد {العَلِيُّ العَظِيمُ}): يعني: قوله: {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ} يحتمل وجهين: أحدهما: أن معناه: أن السماوات يتفطرن من علو شأن الله وعظمته، يدل عليه أن الآية بجملتها مبنية لمعنى العظمة والعلو في قوله: {وهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ}، ولذلك ترك العاطف. وثانيهما: أن المعنى: تكاد السماوات يتفطرن من دعائهم له ولدًا وشريكًا، كقوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} [مريم: 77 - 91]، يؤيده مجيء قوله: {والَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} بعده.
وأما إيراد قوله: {وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ}، فلأنهم استوجبوا بمقالتهم هذه أن يصب عليهم العذاب صبًا، ولكن صرف ذلك عنهم؛ لأنه غفور رحيم يمهل ولا يعاجل، كقوله تعالى: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 6]، وعلى هذا: الآية واردة للتنزيه بعد إثبات المالكية التامة والعظمة والكبرياء.
?

الصفحة 8