كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 14)

[قال: ] وكانت تقول: اللهمَّ لا تغفرْ لي حرامًا أتيتُه قطّ، ولا عزمًا على حرامٍ إن كنتُ عزمته، ولا استفزعني لهوٌ إلا ذكرتُ نسبي من رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقصَّرت عنه، ولا أقول ما أقول في شِعري إلَّا عبثًا.
وكانت تدخل على الرشيدِ فيُكرمها ويأمرها بالحلوس معه على سريره فتأبى.
وكانت تحبُّ المراسلةَ بالأشعار لمن تختصُّه [قال: ] فاختصَّت خادمًا للرشيد يقال له: طَلّ، فلم تره أيامًا، فمشت على ميزابٍ حتى أبصرتْه وقالت. [من مجزوء الكامل]
قد كان ما كُلِّفتُه زمنًا ... يا طلُّ من وَجدٍ بكمْ يكفي
حتى أتيتُك زائرًا عَجلًا ... أَمشي على حَتْفي إلى حَتْفي (¬1)
فحلف عليها الرشيدُ ألا تكلِّم طلًّا ولا تسمِّيه باسمه، فضمنتْ له ذلك، فاستمع عليها يومًا وهي تقرأ: {فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ} [البقرة: 265] [فقالت: فإن لم يصبها وابل، وإلّا] فالذي نهاني عنه أميرُ المؤمنين، فدخل الرشيد، فقبَّل رأسها ووهب لها طلًّا.
وتزوَّجها موسى بنُ عيسى بن موسى بن محمدِ بن عليِّ بن عبدِ الله بن عباس (¬2).
قال: وسببُ وفاتها أنَّ المأمونَ دخل عليها يومًا، فضمَّها إليه وقبَّل رأسها ووجهُها مغطًّى، فتأذَّت بذلك وشَرِقت وسَعَلت، ثم حُمَّت أيامًا وماتت [في هذه السَّنة عن خمسين سنة. وهذا الذي ذكره جدِّي في "المنتظم" (¬3).
قلت: ] ولها ديوانٌ مشهورٌ، فمن ذلك: [من مجزوء الكامل]
أَوقعتِ في قلبي الهوى ... ونجوتِ منه سالمهْ
وبدأتِني بالوصل ثمَّ ... قطعتِ وَصْلِي ظَالِمَه (¬4)
وقالت أيضًا: [من الكامل]
اليأسُ (¬5) بين جوانحي يتردَّد ... ودموعُ عيني تستهل وتَنفَدُ
¬__________
(¬1) أشعار أولاد الخلفاء ص 56، والأغاني 10/ 163، والمنتظم 10/ 231.
(¬2) كذا في (ب) و (خ) والمصادر، والذي في المنتظم 10/ 231 دون ذِكْر: ابن موسى. ينظر السير 10/ 187 - 188، ومصادر الترجمة ثمَّة.
(¬3) 10/ 233 - 232. وما بين حاصرتين من (ب).
(¬4) أشعار أولاد الخلفاء ص 64، والمنتظم 10/ 231.
(¬5) في أشعار أولاد الخلفاء ص 75: الشوق، وما هنا موافق لما في المنتظم 10/ 231.

الصفحة 103