كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 14)
أذنبتُ ذنبًا عظيمًا ... وأنت للعفو أهلُ
فإنْ عفوت فمنٌّ ... وإنْ جَزيتَ فعدلُ
فرقَّ له المأمون، وأقبل على أخيه أبي إسحاقَ وابنِه العباس والقوَّاد فقال: ما ترون في أمره؟ فقال بعضهم: ضَرْبَ عنقه، وقال آخرون: تُقطع أطرافهُ وتُقصص، فقال المأمون لأحمدَ بنِ أبي خالد: ما تقول أَنْتَ؟ فقال: يَا أميرَ المُؤْمنين، إن قتلتَه وجدت مثلَك قد قتل مثلَه كثيرًا، وإن عفوتَ عنه لم تجد مثلَك عفا عن مثله، فأيُّما أحبُّ إليك: أن تفعلَ فعلًا تجد لك فيه شريكًا، أو تنفردَ بالفضل؟ فأطرق المأمونُ طويلًا، ثم رفع رأسَه وقال: يَا أَحْمد، أَعِد ما قلت، فأعاده، فقال: بل ننفرد بالفضل، ولا رأيَ لنا بالشركة. فكشف إبراهيمُ القناعَ عن رأسه وكبَّر تكبيرةً عالية وقال: عفا أميرُ المُؤْمنين واللهِ تعالى، فقال أميرُ المُؤْمنين: لا بأسَ عليك يَا عمّ.
وأمر بحبسه عند أحمدَ بنِ أبي خالد، فلمَّا كان بعد شهر، أحضره وقال: اعتذرْ من ذنبك، فقال: ذنبي أجلُّ من أن أتفوَّه فيه بعذر، وعفوُك أعظم من أن أنطقَ معه بشكر، ولكني أقول: [من الكامل]
يَا خيرَ مَن ذَمَلَت (¬1) يمانيَةٌ به ... بعبد الرسولِ لآيسٍ ولطامعِ
وأبرَّ مَن عبد الإلهَ على التُّقى ... عينًا وأقولَه بحقٍّ صادع
متيقِّظًا حَذِرًا وما يخشى العِدَى ... نبهانَ من وَسَناتِ (¬2) ليلٍ هاجع
مُلئت قلوبُ الناسِ منك مهابةً ... وتبيت تكلؤهمْ بقلبٍ خاشع
ما أكبرَ (¬3) الكَنَفَ الذي بوَّأتَني ... وطنًا وأمرعَ رتعه للراتع
للصالحات أخًا جُعِلتَ وللتُّقى ... وأبًا رَؤوفًا للفقير القانع
نفسي فداؤك إذ تضلُّ معاذري ... وأَلوذ منك بفضلِ حلمٍ (¬4) واسع
¬__________
(¬1) في المنتظم 10/ 214: حملت، وما هنا موافق لما في تاريخ الطبري 8/ 604، وأشعار أولاد الخلفاء ص 19، والأغاني 10/ 117، والكامل 6/ 393. والذَّميل: السير الليِّن ما كان، ذمل يذمِل ويذمُل. القاموس المحيط (ذمل).
(¬2) في (خ): وسنان، والمثبت من المصادر.
(¬3) في تاريخ الطبري وابن الآثير: ما ألين. والبيت غير موجود في باقي المصادر.
(¬4) في (خ): حكم.