كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 14)

و [روى أبو الفضلِ بنُ ناصر قال: ] بينا طاهرٌ في حرَّاقته يومًا وقد عزم على الخروج منها [إلى الشطِّ] إذ عرض له [الخَلُوقيُّ] الشاعر (¬1) فقال: [من المتقارب]
عجبتُ لحرَّاقة ابنِ الحسينِ ... كيف تعوم ولا تغرقُ
وبحرانِ مِن تحتها واحدٌ ... وآخَرُ من فوقها مُطبِق
وأَعجبُ من ذاك عِيدانُها ... وقد مسَّها كيف لا تورِق
فقال: أعطُوه ثلاثةَ آلافِ دينار، وقال: زِدنا حتَّى نَزيدَك، فقال: حَسْبي حسبي.
[وحكى الخطيبُ (¬2) أنَّ] رجلًا من خُراسانَ وقف له (¬3) فأنشده: [من الكامل]
أصبحتُ بين خَصاصةٍ وتجمُّلٍ ... والحرُّ بينهما يموت هزيلا
فامدُد إليَّ يدًا تعوَّد بطنُها ... بذلَ النَّوال وظهرُها التَّقبيلا
فأعطاه عشرين ألفًا.
وقال أحمدُ بن يزيدَ السُّلَمي: كان طاهرٌ من رجالات خُراسان، جوادًا ممدَّحًا، كنت معه بالرقَّة وأنا أحد قوَّاده، فركب يومًا إلى ظاهر الرقَّة فتمثَّل (¬4): [من الطويل]
عليكم بداري فاهدموها فإنَّها ... تراثُ كريمٍ لا يخاف العواقبا
إذا همَّ ألقى بين عينيه عزمَه ... ونكَّب عن طرْق الحوادثِ جانبا
ولم يستشرْ في رأيه غيرَ نفْسِه ... ولم يرضَ إلَّا قائمَ السيفِ صاحبا
ثم دار حول الرافقةِ (¬5) وجاء فنزل في القصر، ثم نظر في رِقاعٍ فوقَّع عليها بألف ألفِ درهم وسبعِ مئة ألفِ درهم، فقال قائل: ما رأينا مثلَ هذا المجلس، لكنه سَرَف، فقال
¬__________
(¬1) في (خ): عرض له شاعر. اهـ. وهو مُقَدَّس بن صيفي الخلوقي، انظر وفيات الأعيان 2/ 519، وتاريخ بغداد 10/ 484، والمنتظم 10/ 165 - 166، وتاريح الإسلام 5/ 94، والسير 10/ 108 - 109، والحَرَّاقة: ضربٌ من السفن فيها مرامي النيران يرمى بها العدو في البحر. الصحاح (حرق).
(¬2) في تاريخه 10/ 485.
(¬3) في (خ): ووقف له رجل من خراسان.
(¬4) ستأتي الأبيات بعد قليل ضمن قصيدة في ثمانية أبيات، وباختلاف في الرواية. وانظر الشعر والشعراء 2/ 696، وديوان الحماسة 1/ 35 (بشرح التبريزي) و 1/ 67 (بشرح المرزوقي)، وتاريخ بغداد 10/ 484، والخزانة 8/ 141.
(¬5) بلد متصل البناء بالرقة. معجم البلدان.

الصفحة 8