كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 14)

تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. وَالْمَعْنَى: عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ رَدَّكُمْ إِلَى الدُّنْيَا لَمْ تَعْمَلُوا صَالِحًا، كَمَا قَالَ:" وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ" «١» [الانعام: ٢٨]. وَ" عالِمُ
" إِذَا كَانَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ صَلُحَ أَنْ يَكُونَ لِلْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ، وَإِذَا كَانَ مُنَوَّنًا لم يجز أن يكون للماضي.

[سورة فاطر (٣٥): آية ٣٩]
هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَساراً (٣٩)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ) قَالَ قَتَادَةُ: خَلَفًا بَعْدَ خَلَفٍ، قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ. وَالْخَلَفُ هُوَ التَّالِي لِلْمُتَقَدِّمِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِأَبِي بَكْرٍ: يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ، فَقَالَ: لَسْتُ بِخَلِيفَةِ اللَّهِ، وَلَكِنِّي خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا رَاضٍ بِذَلِكَ. (فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) أَيْ جَزَاءُ كُفْرِهِ وَهُوَ الْعِقَابُ وَالْعَذَابُ. (وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً) أَيْ بُغْضًا وَغَضَبًا. (وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً) أي هلاكا وضلالا.

[سورة فاطر (٣٥): آية ٤٠]
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً (٤٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ"" شُرَكاءَكُمُ" مَنْصُوبٌ بِالرُّؤْيَةِ، وَلَا يَجُوزُ رَفْعُهُ، وَقَدْ يَجُوزُ الرَّفْعُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ: قَدْ عَلِمْتُ زَيْدًا أَبُو مَنْ هُوَ؟ لِأَنَّ زَيْدًا فِي الْمَعْنَى مُسْتَفْهَمٌ عَنْهُ. وَلَوْ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ زَيْدًا أَبُو مَنْ هُوَ؟ لَمْ يَجُزِ الرَّفْعُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَعْنَى هَذَا أَخْبِرْنِي عَنْهُ، وَكَذَا مَعْنَى هَذَا أَخْبِرُونِي عَنْ شُرَكَائِكُمُ الَّذِي تَدْعُونَ مِنْ
---------------
(١). راجع ج ٦ ص ٤٠٩

الصفحة 355