كتاب مصنف ابن أبي شيبة ط السلفية بالهند (اسم الجزء: 14)

مَا رَأَيْته غَضِبَ مِثْلَهُ مُنْذُ كَانَ ، قَالَ : قُلْتُ لِمَ ذَاكَ ؟ قَالَ : بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ ذَكَرَا بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ ، فَقَالاَ : وَاللهِ مَا كَانَتْ إِلاَّ فَلْتَةً ، فَمَا يَمْنَعُ امْرَءًا إِنْ هَلَكَ هَذَا أَنْ يَقُومَ إِلَى مَنْ يُحِبُّ ، فَيَضْرِبُ عَلَى يَدِهِ ، فَتَكُونُ كَمَا كَانَتْ ، قَالَ : فَهَمَّ عُمَرُ أَنْ يُكَلِّمَ النَّاسَ ، قَالَ : فَقُلْتُ : لاَ تَفْعَلْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَإِنَّك بِبَلَدٍ قَدَ اجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ أَفْنَاءُ الْعَرَبِ كُلُّهَا ، وَإِنَّك إِنْ قُلْتُ مَقَالَةً حُمِلَتْ عَنْك وَانْتَشَرَتْ فِي الأَرْضِ كُلِّهَا ، فَلَمْ تَدْرِ مَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا يُعِينُك مَنْ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ سَيَصِيرُ إِلَى الْمَدِينَةِ.
فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ رُحْتُ مَهْجَرًا ، حَتَّى أَخَذْتُ عِضَادَةَ الْمِنْبَرِ الْيُمْنَى ، وَرَاحَ إِلَيَّ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ ، حَتَّى جَلَسَ مَعِي ، فَقُلْتُ : لَيَقُولَنَّ هَذَا الْيَوْمَ مَقَالَةً ، مَا قَالَهَا مُنْذُ اُسْتُخْلِفَ ، قَالَ : وَمَا عَسَى أَنْ يَقُولَ ؟ قُلْتُ : سَتَسْمَعُ ذَلِكَ.
قَالَ : فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ خَرَجَ عُمَرُ حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَصَلَّى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ أَبْقَى رَسُولَهُ بَيْنَ أَظْهُرِنَا ، يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ مِنَ اللهِ ، يُحِلُّ بِهِ وَيُحَرِّمُ ، ثُمَّ قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ ، فَرَفَعَ مِنْهُ مَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَ ، وَأَبْقَى مِنْهُ مَا شَاءَ أَنْ يُبْقِي ، فَتَشَبَّثْنَا بِبَعْضٍ ، وَفَاتَنَا بَعْضٌ ، فَكَانَ مِمَّا كُنَّا نَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ : لاَ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ ، فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ ، وَنَزَلَتْ آيَةُ الرَّجْمِ ، فَرَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا مَعَهُ ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَقَدْ حَفِظْتُهَا وَعَلِمْتُهَا وَعَقَلْتهَا ، وَلَوْلاَ أَنْ يُقَالُ : كَتَبَ

الصفحة 564