كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 14)

نمروذ، وذلك أنّ إبليس جاءهم لَمّا لم يستطيعوا أن يَدْنوا مِن النار، قال: أنا أدُلُّكم. فأخذ لهم المنجنيق، وجيء بإبراهيم، فخلعوا ثيابه، وشدُّوا قِماطَه (¬١)، فوُضِع في المنجنيق، فبَكَتِ السمواتُ والأرضُ والجبالُ والشمسُ والقمرُ والعرشُ والكرسيُّ والسحابُ والريحُ والملائكةُ، كلٌّ يقول: يا ربِّ، إبراهيمُ عبدك بالنار يُحْرَق؛ فأْذَنْ لنا في نُصْرَتِهِ. فقالت النارُ، وبَكَتْ: يا ربِّ، سخرتني لبني آدم، وعبدك يُحْرَقُ بي! فأوحى إليهم: إنّ عبدي إيّاي عَبَدَ، وفي حُبِّي أُوذِي، إن دعاني أجبتُه، وإن استنصركم انصروه. فلمّا رُمِيَ استقبله جبريلُ بين المنجنيق والنار، فقال: السلام عليك، يا إبراهيم، أنا جبريلُ، ألك حاجةٌ؟ فقال: أمّا إليك فلا حاجة، حاجتي إلى الله ربي. فلمّا أن قُذِفَ سبقه إسرافيل؛ فسلَّط النارَ على قماطه، وقال الله تعالى: {يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم}. فلو لم يُخْلَط بالسلام [لَكَزَّ] (¬٢) فيها بردًا، ودخل جبريل، وأنبت الله حوله روضةً خضراء، وبسط له بساط مِن دُرِّ الجنة، وأُتِي بقميص مِن حُلَلِ جنَّة عدن، فأُلْبِس، وأُجْرِي عليه الرِّزْقُ غُدْوَةً وعَشاءً، إسرافيل عن يمينه، وجبريل عن يساره، حتى رأى الملِكُ الرؤيا، ورأى الناسُ الرؤيا، فأكثروا القول فيه (¬٣). (ز)

٤٩٢٨٣ - عن عكرمة مولى ابن عباس -من طريق الحكم- قال: إنّ الله - عز وجل - حيث قال: {يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم}، إنّ نار الدنيا كلها خمدت، لم ينتفع بها أحدٌ من أهلها، فلما أخرج الله إبراهيمَ مِن النار زاد الله في حسنه وجماله سبعين ضِعْفًا (¬٤). (ز)

٤٩٢٨٤ - عن بكر بن عبد الله المزني -من طريق أبي هلال الرّاسِبِيِّ- قال: لَمّا أرادوا أن يُلْقُوا إبراهيمَ في النار جاءت عامَّة الخليقة، فقالت: يا ربِّ، خليلُك يُلْقى في النار، فأْذن لنا نطفئ عنه. قال: هو خليلي، ليس لي في الأرض خليلٌ غيره، وأنا إلهه ليس له إله غيري، فإن استغاثكم فأغيثوه، وإلا فدعوه. قال: وجاء ملَك القَطْر، قال: يا ربِّ، خليلُك يُلْقى في النار، فأْذَن لي أن أُطْفِئ عنه بالقطر. قال:
---------------
(¬١) قِماط: خرقةٌ عريضة تُلَفّ على الجسم. النهاية (قمط).
(¬٢) في المصدر: لكم، والمثبت من مختصره لابن منظور. وكَزَّ الرجلُ: أصابه تشنج من البرد الشديد. اللسان (كزز).
(¬٣) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ٦/ ١٨٢.
(¬٤) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ٦/ ١٨٤.

الصفحة 573