كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 14)

فأخبروه، فأرسل إلى سليمان، فدخل عليه، فعزم عليه داود بحقِّ النبوة وبحقِّ المُلْك وحقِّ الوالد لَما حدَّثتني كيف رأيتَ فيما قضيتُ. فقال سليمان: قد عدل النبيُّ وأحسن، وغيرُه كان أرفق. قال: ما هو؟ قال: تدفع الغنمَ إلى أهل الحرث فينتفعون بسمنها ولبنها وأصوافها وأولادها عامهم هذا، وعلى أهل الغنم أن يزرعوا لأهل الحرث مثلَ الذي أفسدت غنمهم، فإذا كان مثله حين أفسدوه قبضوا غنمهم. قال له داود: نِعْمَ ما قضيت (¬١). (ز)

٤٩٤٢٤ - قال مقاتل بن سليمان: {وكنا لحكمهم شاهدين}، يعني: داود وسليمان -صلى الله عليهما-، وصاحب الغنم، وصاحب الكرم، وذلك أنّ راعيًا جمع غنمه بالليل إلى جانب كرم رجل، فدخلت الغنمُ الكَرْمَ، فأكلته، وصاحِبُها لا يشعرُ بها، فلمّا أصبحوا أتَوْا داودَ النبيَّ - عليه السلام -، فقَصُّوا عليه أمرَهم، فنظر داودُ ثمن الحرث، فإذا هو قريب مِن ثمن الغنم، فقضى بالغنم لصاحب الحرث، فمَرُّوا بسليمان، فقال: كيف قضى لكم نبيُّ الله؟ فأخبراه، فقال سليمان: نِعْمَ ما قضى نبيُّ الله، وغيرُه أرفقُ للفريقين. فدخل ربُّ الغنم على داود، فأخبره بقول سليمان، فأرسل داودُ إلى سليمان، فأتاه، فعَزَم عليه بحقِّه بحق النبوة لما أخبرتني، فقال: عَدَلَ الملِك، وغيرُه أرْفَق. فقال داود: وما هو؟ قال سليمان: تدفع الغنم إلى صاحب الحرث، فله أولادها وأصوافها وألبانها وسمنها، وعلى رب الغنم أن يزرع لصاحب الحرث مثل حرثه، فإذا بلغ وكان مثله يوم أفسده دفع إليه حرثه، وقبض غنمه. قال داود: نِعْمَ ما قضيت. فأجاز قضاءه، وكان هذا ببيت المقدس، يقول الله - عز وجل -: {ففهمناها سليمان}، يعني: القضية، ليس يعني به: الحكم، ولو كان الحكم لقال: ففهمناه (¬٢). (ز)

٤٩٤٢٥ - عن سفيان -من طريق أبي عبيد الله- في قوله تعالى: {إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين}، قال: قضى داودُ لصاحب الحرث برِقاب الغنم، فمَرُّوا على سليمان، قال: أيَّ شيء قضى بينكم نبيُّ الله. فأخبروه، فقال: ليس هذا، ولكن ادفعوا الغنمَ إلى صاحب الحرث يُصيب مِن رِسْلِها وصوفها، ويعمل صاحب الغنم في حرثه حتى يَرُدَّها كما كانت حين أفسدتها الغنم، ثم يرد عليه غنمَه. فذلك قوله تعالى: {ففهمناها سليمان} (¬٣). (ز)
---------------
(¬١) علقه يحيى بن سلّام ١/ ٣٢٧.
(¬٢) تفسير مقاتل بن سليمان ٣/ ٨٧.
(¬٣) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ٢٢/ ٢٣٤.

الصفحة 597