كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 14)

قال: فلما انصرَف رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبأبي هو وأُمي، ما رأيتُ معلِّمًا قبلَه ولا بعدَه أحسنَ تعليمًا منه، واللَّه ما ضرَبني، ولا كَهَرني (¬١)، ولا سَبَّني، ولكن قال: "إن صلاتَنا هذه لا يَصلُحُ فيها شيءٌ من كلام الناس، إنما هي للتَّسْبيح والتكبيرِ وتلاوةٍ للقُرآنِ".
قال: ثم اطَّلَعتُ غُنَيمةً لي تَرعاها جاريةٌ لي في ناحية أُحُد، فوجدْتُ الذئبَ قد أصاب منها شاةً، وأنا رجلٌ من بني آدم، آسَفُ كما يأسَفُون، فصَكَكتُها صَكّة، ثم انصرَفْتُ إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخبرتُه، فعظَّمَ عليَّ. قال: فقلت: يا رسولَ اللَّه، فهلّا أُعتِقُها؟ قال: "ائتِني بها". قال: فجِئْتُ بها إلى رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال لها: "أين اللَّهُ؟ ". فقالت: في السماء. فقال: "مَن أنا؟ ". فقالت: أنت رسولُ اللَّه. قال: "إنها مؤمنةٌ، فأعْتِقْها" (¬٢).
قال أبو عُمر: معاني هذا الحديث واضحةٌ يُستَغنَى عن الكلام فيها.
وأما قوله: "أينَ اللَّهُ؟ ". فقالت: في السماء. فعلى هذا أهلُ الحقِّ؛ لقول اللَّه عزَّ وجلَّ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: ١٦]. ولقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: ١٠]. ولقوله: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: ٤].
---------------
(¬١) أي: ولا نَهَرني، والكَهْرُ: عبوس الوجه، والشَّتم، والقهر. ينظر: تهذيب اللغة ٦/ ١٠، والصحاح (كهر).
(¬٢) أخرجه مسلم (٥٣٧) (٢١) بإثر الحديث (٢٢٢٧)، والنسائي في المجتبى (١٢١٨)، وفي الكبرى ٢/ ٤٤ (١١٤٢)، وابن خزيمة في التوحيد، ص ٢٧٨ - ٢٨٢، والطحاوي في شرح مشكل الآثار ١٣/ ٢٦٧ (٥٣٣٢) و (٥٣٣٣)، وأبو عوانة في المستخرج ١/ ٤٦٥ (١٧٢٧)، وابن حبّان في صحيحه ٦/ ٢٢ - ٢٤ (٢٢٤٧) من طرق عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، به.
وهو عند أحمد في المسند ٣٩/ ١٧٥ (٣٢٧٦٢)، ومسلم (٥٣٧) (١٢١) بإثر الحديث (٢٢٢٧) وأو داود (٩٣٠)، وابن الجارود في المنتقى (٢١٢)، والبيهقي في الأسماء والصفات (٨٩١) من طرق عن يحيى بن أبي كثير، به.

الصفحة 11