كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 14)

ومثلُ هذا في القرآن كثير، قد أتينا عليه في بابِ ابن شهابٍ في حديث التَّنزُّل (¬١)، وفيه ردٌّ على المُعتزلة، وبيانٌ لتأويل قولِ اللَّه عزَّ وجلَّ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥]. ولم يَزل المسلمون في كلِّ زمانٍ إذا دَهَمَهُم أمرٌ، وكَرَبَهُم غمٌّ، يرفَعونَ وجوهَهُم وأيديَهُم إلى السماء، رغبةً إلى اللَّه عزَّ وجلَّ في الكَشْفِ عنهم.
حدَّثنا أحمدُ بنُ عمر، قال: حدَّثنا عبدُ اللَّه بنُ محمد، قال: حدَّثنا أحمدُ بنُ خالد، قال: حدَّثنا عليُّ بنُ عبدِ العزيز، قال: حدَّثنا أبو عُبيد، قال: سمِعتُ ابنَ عليّة يحدِّثُ، عن سعيدٍ الجُرَيْريِّ، قال: حُدِّثتُ أن أبا الدرداءِ ترَك الغَزوَ عامًا، فأعْطَى رجلًا صُرَّةً فيها دراهم، فقال: انطلِقْ، فإذا رأيتَ رجلًا يسيرُ من القوم ناحية، في هيئتِه بَذاذةٌ، فادفَعْها إليه. قال: ففعل، فرفَع رأسَه إلى السماء وقال: اللهمَّ لم تَنسَ حُدَيْرًا، فاجعلْ حُدَيْرًا لا يَنْساك. قال: فرجَع الرجلُ إلى أبي الدرداء فأخبَره، فقال: وَلي النعمةَ ربُّها (¬٢).
وقد مضى في هذا المعنى ما فيه كفايةٌ وبيانٌ في باب ابنِ شهاب، عن أبي عبدِ اللَّه الأغرِّ وأبي سَلَمة، من هذا الكتاب (¬٣) (¬٤).
---------------
(¬١) وهو في الموطأ ١/ ٢٩٣ (٥٧٠) عن محمد بن شهاب الزُّهري، عن أبي عبد اللَّه الأغرّ، وعن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ينزل ربُّنا تبارك وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السماء الدنيا" الحديث. وهو الحديث الثامن لابن شهاب، وقد سلف في موضعه.
(¬٢) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (٤٤٢٦)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق ١٢/ ٢٤٢، وابن الأثير في أسد الغابة ١/ ٤٦٥، وعمر بن أحمد العقيلي المعروف بابن العديم في بغية الطلب في تاريخ حلب ٥/ ٢١٤٢ - ٢١٤٣، أربعتهم عن أبي عبد الرحمن السُّلمي عن أبي الحسن الكارِزيّ، عن علي بن عبد العزيز البغويّ، به.
(¬٣) سلف في الموضع المشار إليه قريبًا.
(¬٤) جاء في حاشية الأصل: "بلغت المقابلة بحمد اللَّه وحسن عونه".

الصفحة 12