كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 14)

ومذهبُ الشافعيِّ في هذا الباب كمذهب مالك؛ في المنبر بالمدينة، وبينَ الركن والمقام بمكةَ في القَسامةِ واللِّعان، وأما في الحُقوق، فلا يحلِفُ عندَه عند المنبَر في أقلَّ من عشرينَ دينارًا (¬١).
وذكَر (¬٢) عن سعيدِ بن سالم القَدّاح، عن ابن جُريج، عن عِكْرمةَ، قال: أبصر عبدُ الرحمن بنُ عوف قومًا يحلِفون بينَ المقام والبيت، فقال: أعلى دم؟ قيل: لا. قال: أفعلَى عظيمٍ من الأمر؟ قيل: لا. قال: لقد خشيتُ أن يتهاونَ الناسُ بهذا المقام.
هكذا رواه الزَّعْفرانيُّ، عن الشافعيِّ: يتهاونَ الناس. ورواه المزنيُّ والربيعُ في كتاب اليمين مع الشاهد، فقالا فيه: خَشِيتُ أن يَبْهأَ الناسُ بهذا المقام (¬٣). وهو الصحيح عندَهم. ومعنى: يبهأُ: يأنسُ الناسُ به، يقال: بَهَأتُ به؛ أي: أنِسْتُ به (¬٤). ومنبرُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في التعظيم مثلُ ذلك؛ لما ورد فيه من الوعيدِ على مَن حلَف عندَه بيمينٍ آثمةٍ، تعظيمًا له.
ودكَر (¬٥) حديثَ مالك، عن هاشم بن هاشم، وحديثَ مالك (¬٦)، عن داودَ بن
---------------
(¬١) نصَّ على ذلك في الأمّ ٦/ ٢٧٨.
(¬٢) يعني الشافعيَّ في الأم ٧/ ٣٦ عن مسلم بن خالد الزنجي وسعيد بن سالم القداح معًا، به. وإسناده منقطع. فإن عكرمة: وهو ابن خالد بن العاص المخزومي لم يسمع من عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه كما ذكر أحمد بن حنبل فيما نقل عنه ابن أبي حاتم في المراسيل، ص ١٥٨ (٢٩٨)، والعلائي في تحفة التحصيل، ص ٢٣٢.
(¬٣) كما في شرح السُّنة للبغوي ١٠/ ١٤٤، والبدر المنير لابن الملقِّن ٩/ ٦٩٧ دون ذكر من رواه عن الشافعي.
ورواية المزنيّ في مختصره ٨/ ٤١٧، ورواية الربيع بن سليمان المرادي عند البيهقي في الكبرى ١٠/ ١٧٦ (٢١٢٠٩) ولكن بلفظ: "أن يتهاون" بدل "أن يَبْهأ" كما ذكر المصنِّف رحمه اللَّه!
(¬٤) قاله أبو عبيد القاسم بن سلّام في غريب الحديث له ٤/ ٤٧٣.
(¬٥) يعني الشافعيَّ في الأمّ ٧/ ٣٧ - ٣٨.
(¬٦) وهو في الموطأ ٢/ ٢٧٠ (٢١٣٠).

الصفحة 16