كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 14)

حديثٌ رابعٌ وعشرونَ لهشام بنِ عُروةَ
مالكٌ (¬١)، عن هشام بن عُروة، عن أبيه، عن عائشةَ، قالت: لما قَدِم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المدينةَ وُعِكَ أبو بكرٍ وبلالٌ. قالت: فدخَلْتُ عليهما فقلت: يا أبتِ، كليف تَجِدُكَ؟ ويا بلال، كيف تَجِدُكَ؟ قالت: فكان أبو بكر إذا أخذَتْهُ الحُمّى يقول:
كلُّ امرئ مُصبَّحٌ في أهلِهِ ... والموتُ أدنَى من شِراكِ نَعْلِهِ
وكان بلالٌ إذا أُقلِع عنه يرفَعُ عقيرتَه ويقول:
ألا ليتَ شِعْري هل أبيتَنَّ ليلةً ... بوادٍ وحَوْلي إذخرٌ وجَلِيلُ
وهل أرِدَنْ يومًا مياهَ مَجَنَّةٍ ... وهل يَبْدُوَنْ لي شامَةٌ وطَفيلُ
قالت عائشة: فجئتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرتُه، فقال: "اللهُمَّ حَبِّبْ إلينا المدينةَ كحُبِّنا مكةَ أو أشدَّ، وصَحِّحْها، وبارِكْ لنا في صاعِها ومُدِّها، وانقُلْ حُمّاها واجعَلْها في الجُحفَة" (¬٢).
أمّا قولُه: "إذخِرٌ وجَليلُ" فهما نَبْتان من الكَلأ طيِّبا الرائحة، يكونان بمكةَ وأوديَتِها، لا يكادان يُوجَدان بغيرها.
و"شامةٌ وطَفيلُ" جبلان بمكة، وقيل: أحدُهما بجُدَّة، وقيل: بوادي فَخٍّ.
لم يختلِفْ رُواةُ "الموطأ" فيما علِمتُ عن مالكٍ في إسنادِ هذا الحديث ولا في مَتْنه (¬٣)، ولم يذكُرْ مالكٌ فيه قولَ عامر بن فُهَيْرة، وسائرُ رُواةِ هشام يذكُرونه
---------------
(¬١) الموطّأ ٢/ ٤٦٩ (٢٦٠٣).
(¬٢) الجُحْفة: قرية على اثنين وثمانين ميلًا من مكّة.
(¬٣) رواه عن مالك: أبو مصعب الزُّهري (١٨٥٨)، وعبد الرحمن بن القاسم (٤٧٢)، وسويد بن سعيد (٦٧٨)، وإسحاق بن عيسى الطبّاع عند أحمد في المسند ٤٣/ ٢٩٠ - ٢٩١ (٢٦٢٤١)، وعبد الله بن يوسف التنيسي عند البخاري (٣٩٢٦)، وعبد الله بن مسلمة القعنبي عند الجوهري =

الصفحة 160