كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 14)
النوم خرَج من هذا البيت، فمرَّ برجُلَين أعرِفُهما وأعرِفُ أنسابَهما، فقال: عليكُما لعنةُ الله والملائكةِ والناسِ أجمعين؛ فإنَّكما لا تُؤمنان باللّه ولا باليوم الآخر. فقلت: أجلْ يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فعليهما لعنةُ الله والملائكةِ والناس أجمعين، فما ذنْبُهما؟ قال: ذنْبُهما أنّهما يأكُلانِ لُحومَ الناس.
قال أبو عُمر: يصحِّحُ هذا قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "مَن كان يُؤمنُ بالله واليوم الآخر فليقُلْ خيرًا أو ليسكُتْ" (¬١). وهذا وما كان مثلَه إنما معناه نقصانُ الإيمانِ وعدمُ كمالِه، لا الكفرُ، وقد بيَّنَّا مثلَ هذا في غيرِ موضع. والحمدُ لله.
أخبرنا عبدُ الرحمن (¬٢)، قال: حدَّثنا عليٌّ، قال: حدَّثنا أحمدُ، قال: حدَّثنا سُحْنون، قال: حدَّثنا ابنُ وَهْب (¬٣)، عن ابنِ لَهِيعة، قال: أخبَرني سُليمانُ بنُ كَيْسانَ، قال: كان عمرُ بنُ عبدِ العزيز إذا ذُكِر عندَه رجلٌ بفضل أو صَلاح، قال: كيفَ هو إذا ذُكِر عندَه إخوانُه؟ فإن قالوا: إنه ينتقِصُهم وينالُ منهم. قال عُمر: ليس هو كما تقولون. وإن قالوا: إنه يذكُرُ منهم جميلًا وخيرًا، ويُحسِنُ الثناءَ عليهم. قال: هو كما تقولون إن شاء الله.
---------------
(¬١) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٥١٨ (٢٦٨٧) عن سعيد بن أبي سعيد المقبُريّ، عن أبي شُريح الكعبي، وهو الحديث الأوّل لسعيد بن أبي سعيد المقبُري، وقد سلف مع تمام تخريجه في موضعه.
(¬٢) هو عبد الرحمن بن يحيى بن محمد، أبو زيد العطار، وشيخه عليّ: هو ابن محمد بن مسرور الدبّاغ، وشيخه أحمد: هو ابن أبي سليمان، أو ابن داود، ويُعرف بالصوّاف مولى ربيعة، من مقدَّمي رجال سُحنون: وهو عبد السلام بن سعيد بن حبيب التَّنُوخي، وسُحنون لقبُه.
(¬٣) في جامعه (٣٨٨). وإسناده إلى عمر بن عبد العزيز صحيح، ابن لهيعة: هو عبد الله المصري، حديثه صحيح من رواية عبد الله بن وَهْب، وسليمان بن كيسان: هو أبو عيسى الخراساني، قال ابن القطان: "لا يُعرف حالُه" وتعقّبه الذهبي في ميزان الاعتدال ٤/ ٥٦٠ (١٠٤٩٤) بقوله: "قلت: ذا ثقة، روى عنه حيوة بن شريح، وسعيد بن أيوب، وابن لهيعة وجماعة. سكن مصر، ووثقه ابن حبان". وقال ابن حجر في التقريب (٨٢٩٥): "مقبول".