كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 14)

قال أبو عُمر: يكفي في ذمِّ الغيبةِ قولُ الله عزَّ وجلَّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} [الحجرات: ١٢].
قال الشاعر (¬١):
احذَرِ الغِيبةَ فَهْي الْـ .. ـفِسقُ لا رُخْصةَ فيهِ
إنَّما المُغْتابُ كالآ .. كِلِ مِنْ لحمِ أخيهِ
وروَى ابنُ عُليّة (¬٢)، عن يونسَ بنِ عُبيد، عن محمدِ بنِ سيرين، قال: ظُلْمٌ لأخيك المسلم أن تقولَ أسوأَ ما تعلَمُ فيه.
وعن الحسَن البَصْريِّ أنَّه سأله رجلٌ فقال: يا أبا سعيد، اغتبتُ فلانًا وأنا أُريدُ أن أستحِلَّه؟ فقال: لم يكفِك أن اغتبتَه حتى تُريدَ أن تبهتَه!
وعن قُتيبةَ بنِ مُسلم أنَّه سَمِعَ رجلًا يغتابُ آخرَ، فقال: أمسِكْ عليك، فوالله لقد مضَغْتَ مُضغةً طالما لفظَها الكِرام (¬٣).
وعن عُتبةَ بنِ أبي سُفيانَ أنه قال لابنه عَمْرو: إياك واستماعَ الغِيبة، نزِّهْ سمعَك عن الخَنا (¬٤)، كما تنزِّهُ لسانَك عن البَذا، فإن المستمعَ شريكُ القائل، وإنما نظَر إلى أخبثِ ما يكونُ في وعائه، فألقاها في وعائك.
---------------
(¬١) وهو إسماعيل بن عباد بن العباس، أبو القاسم الطالقاني، المشهور بالصاحب ابن عبّاد، والبيتان في التمثيل والمحاضرة للثعالبي، ص ١٢٣، وبهجة المجالس للمصنّف ١/ ٣٩٨، وغرر الخصائص الواضحة لأبي إسحاق برهان الدين محمد بن إبراهيم المعروف بالوطواط، ص ٨٦.
(¬٢) هو إبراهيم بن إسماعيل.
(¬٣) أخرجه ابن أبي الدُّنيا في ذمّ الغيبة (١٦٢)، وفي الصمت (٢٩٨)، والدينوري في المجالسة ٥/ ٣٠٥ (٢١٧٢) عن طريقين عن قتيبة بن سعيد، به.
(¬٤) الخنا: الفُحْش. اللسان (خنا).

الصفحة 386