كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 14)
حديثٌ ثانٍ ليزيدَ بنِ خُصَيفة
مالكٌ (¬١)، عن يزيدَ بنِ خُصَيفة، أنَّ السائبَ بنَ يزيدَ أخبَره، أنه سَمِعَ سُفيانَ بنَ أبي زُهير - وهو من أزْدِ شَنُوءةَ من أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو يحدِّثُ ناسًا معه عند بابِ المسجد فقال: سمِعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنِ اقْتنَى كلبًا لا يُغْني عنه زَرْعًا ولا ضَرْعًا، نقَص من عمَلِه كلَّ يوم قِيْراطٌ". قال: أنتَ سمِعتَ هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: إي وربِّ هذا المسجد.
في هذا الحديثِ إباحةُ اتخاذِ الكلابِ للزَّرْع والماشية، وهو حديثٌ ثابتٌ، وقد ثبَت عنه أيضًا - صلى الله عليه وسلم - إباحةُ اتخاذِه للصيد، فحصَلت هذه الوجوهُ الثلاثةُ مُباحةً بالسُّنَّة الثابتة، وما عدَاها فداخلٌ في باب الحَظْر، وقد أوضَحنا ما في هذا الباب من المعاني في باب نافع من هذا الكتاب (¬٢)، والحمدُ لله.
قال أبو عُمر: احتجَّ بهذا الحديثِ ومثلِه مَن ذهَب إلى إجار بيعِ الكلبِ المُتَّخَذِ للزرعِ والماشيةِ والصيد؛ لأنه يُنتفَعُ به (¬٣) في ذلك. قال: وكلُّ ما يُنتفعُ به فجائزٌ شراؤُه وبيعُه، ويَلزمُ قاتلَه القيمةُ؛ لأنه أتْلَف منفعةَ أخيه.
وقد ذكَرْنا اختلافَ الفُقهاء في هذا الباب كلِّه أيضًا في بابِ ابنِ شهاب (¬٤)، عن أبي بكرِ بنِ عبد الرحمن، عن أبي مسعود: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عن ثمَنِ الكَلْب، ولا معنى لتكريرِ ذلك هاهنا.
---------------
(¬١) الموطّأ ٢/ ٥٦١ (٢٧٧٧).
(¬٢) وهو الحديث الثالث والثلاثون له، وهو في الموطأ ٢/ ٥٦١ (٢٧٧٨)، وقد سلف مع تمام تخريجه والكلام عليه في موضعه.
(¬٣) قفز نظر ناسخ الأصل وناسخ ي ٢ إلى "ينتفع به" الآتية فسقط عندهما ما بينهما، وهو ثابت في النسخ الأخرى.
(¬٤) وهو الحديث الأول له، وقد سلف في موضعه، وهو في الموطأ ٢/ ١٨٥ (١٩١٨).