كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 14)
قد علِمْتُ أيةَ ساعةٍ هي، فقال أبو هريرة: أخبِرْني بها، ولا تضَنَّ عليَّ، فقال عبدُ الله بنُ سَلَام: هي آخِرُ ساعةٍ في يوم الجُمعة. قال أبو هريرة: فقلت: كيف تكونُ آخِرَ ساعةٍ في يوم الجُمعة، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُصادِفُها عبدٌ مُسلمٌ وهو يُصلِّي؟ وتلكَ الساعة لا يُصلَّى فيها؟ فقال عبدُ الله بنُ سَلَام: ألمْ يقُل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ جلسَ مجلسًا ينتظرُ الصَّلاةَ فهو في صلاةٍ حتَّى يُصلِّي"؟ قال أبو هريرة: فقلت: بلى، قال: فهو ذلك.
قال أبو عُمر: لا أعلمُ أحدًا ساقَ هذا الحديثَ أحسنَ سِياقةً من مالكٍ عن يزيدَ بن الهادِ، ولا أتمَّ معنًى منه فيه، إلّا أنه قال فيه: "بَصْرَةَ بنَ أبي بَصْرَةَ" ولم يُتابعْهُ أحد عليه، وإنّما الحديثُ معروفٌ لأبي هريرة: "فلَقِيتُ أبا بَصْرَةَ الغِفاريَّ"، كذلك رواه يحيى بنُ أبي كثيرٍ عن أبي سَلَمة، عن أبي هريرة (¬١)، وكذلك رواه سعيدُ بنُ المسيِّبِ وسعيد المقبُريُّ عن أبي هريرة - كلُّهم يقولُ فيه: "فلَقِيتُ أبا بَصْرَةَ الغِفاريَّ" لم يقُلْ واحد منهم: "فلَقِيتُ بَصْرَةَ بنَ أبي بَصْرَةَ" (¬٢) كما في حديث مالكٍ عن يزيدَ بنِ الهادِ، وأظُنُّ الوهمَ فيه جاء مِنْ قِبَل مالك، أو من قِبَلِ يزيدَ بنِ الهادِ، واللهُ أعلم (¬٣).
---------------
(¬١) أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار ٢/ ٥٧ (٥٨٦).
(¬٢) أخرجه البخاري في التاريخ الكبير ٣/ ١٢٣ - ١٢٤، ويعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ ٢/ ٢٩٤ - ٢٩٥، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني ٢/ ٢٤٩ (١٠٠٢)، وأبو يعلى في مسنده ١١/ ٤٣٥ (٦٥٥٨)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار ٢/ ٥٥ (٥٨٢) و ٢/ ٥٦ (٥٨٤) و (٥٨٥)، والطبراني في الكبير ٢/ ٢٧٦ (٢١٥٧) و (٢١٥٨) و (٢١٥٩). ووقع عند بعضهم "حُميل بن بصرة" وعند البعض الآخر "جميل بن بصرة"، وبعضهم ذكر كنيته أبا بصرة مع اسمه.
(¬٣) ومثل هذا قال في الاستيعاب ١/ ١٨٤ (٢١٧)، ومما قاله هناك: "فإنّ هذا الحديث لا يوجد هكذا إلّا في الموطأ لبَصْرة بن أبي بَصْرة، وإنما الحديث لأبي هريرة: فلقيت أبا بصرة؛ يعني أباه"، وكلامه هذا احتمل خطأين: الأول: ذِكْرُه أنّ قوله: "بصرة بن أبي بصرة، لم يقع إلّا في الموطأ"، والثاني: يتعلق بنسبة الوهم فيه إلى مالك. =