كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 14)

وقال غيرُه يصَفُ ثورًا بريًّا يستمعُ صوتَ قانِص:
ويَصِيخُ (¬١) أحيانًا كما استمع الـ ... ـمُضِل لصوتِ ناشِدْ (¬٢)
والمُضِلُّ: الذي قد ضَلَّ بعيرُهُ أو دابَّتُه أو شيئُه، يقال منه: أضلَّ الرّجُلُ دابَّتَه فهو مُضِلُّ، وضلَّتِ البَهيمةُ فهي ضالّةٌ.
والناشدُ: الطالبُ، يقال منه: قد نشَدْتُ ضالَّتي: إذا ناديتُ فيها وطلبْتُها، ومنه: نشَدْتُكَ الله، أي: سألتُكَ بالله.
وأمّا المُنْشِدُ: فهو المعرِّفُ بالضالَّة. وقيل: هو الدالُّ عليها، والمعنى واحد متقاربٌ، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في لُقَطَة مكّة: "لا تَحِلّ إلا لمُنْشِدٍ" (¬٣)، فمِن هاهنا يقال: أنشَدْتُ كما يُقال في الشِّعر: أنشَدْت الشِّعرَ؛ ومن الأول يقال: نشَدْتُ، هذا قولُ جماعةٍ من أهل اللُّغة (¬٤).
---------------
(¬١) أي: يستمع، يقال: أصاخ له، أي: استمع. الصحاح (صوخ).
(¬٢) البيت في غريب الحديث لأبي عُبيد القاسم بن سلّام ٢/ ١٣٤ معزوًّا لأبي دؤاد الإياديّ، وإليه عزاه الأزهريُّ في تهذيب اللغة ٧/ ٢٠١ و ١١/ ٢٢٢، والجوهري في الصحاح مادة (صيخ) و (نشد)، وابن سيدة في المخصَّص ٤/ ٩٧، وفي المحكم ٨/ ٢٨، وابن جنَيّ في الخصائص ٢/ ١٧٧، وأبو العلاء المعرِّيّ في رسالة الغفران، ص ١٣٠. والبيت في وصْفِ فرس يصفه بحِدّة السمع، قالها مع ثلاثة أبيات أخرى بعضها مذكور في المصادر.
(¬٣) أخرجه أحمد في المسند ١٢/ ١٨٣ (٧٢٤٢)، والبخاري (١١٢) و (٢٤٣٤)، ومسلم (١٣٥٥) من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: "ولا تحِل ساقِطتُها إلا لمُنْشِدٍ".
وأخرجه أحمد في المسند ٥/ ١١٥ (٢٩٦٢)، والبخاري (٢٤٣٣) من حديث عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ: "ولا تحِلُّ لُقطتُها إلا لمُنْشِدٍ".
(¬٤) وإلى هذا ذهب أبو عبيد القاسم بن سلام، فقال: "لا يجوز في العربية أن يقال للطالب: مُنْشِد، إنّما المُنشِدُ هو المُعرِّف، والطالب هو الفاسِد"، وقيل في معناه غير ذلك، ينظر المصادر السابقة وتهذيب الآثار لابن جرير الطبري/ مسند ابن عباس ١/ ٢١، ومستخرج أبي عوانة ٤/ ١٨٧، بإثر الحديث (٦٤٦٢) وتوجيه كلٍّ منهما لبعض المعاني الواردة في هذا البيت.

الصفحة 406