كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 14)

قال: فأيُّ شيءٍ وُضِع من الوجْهِ أجزأه. وهذا ليس بشيء؛ لأنَّ هذا الحديثَ قد ذكَر فيه جماعةٌ الأنفَ والجبهة.
وأما قوله: "وذلك صَبيحةُ ليلةِ (¬١) إحدى وعشرين" فذلك يدُلُّ على أن تلك الليلةَ كانت ليلةَ القدرِ لا محالة، واللّهُ أعلم، لأنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني رأيتُها ثم أُنسيتُها، ورأيتني أسجُدُ من صُبحَتِها في ماءٍ وطين". فكان كما رأى في نومِه - صلى الله عليه وسلم -، ومعلومٌ أن ليلةَ القدر جائزٌ أن تكونَ ليلةَ إحدى وعشرين، وفي كلِّ وترٍ من العَشْرِ الأواخرِ أيضًا، وقد قيل في غيرِ الوتر، وفي غيرِ العشرِ الأواخرِ أيضًا إذا كان في شهرِ رمضان، وقد قدَّمنا ذكرَ ذلك كلِّه في باب حُميدٍ الطويل (¬٢) من هذا الكتاب.
وقد ذهَب جماعةٌ من أهلِ العلم إلى أن ليلةَ القدْرِ في كلِّ رمضانٍ ليلةُ إحدى وعشرين، وذهَب آخرون إلى أنَّها ليلةُ ثلاثٍ وعشرين في كلِّ رمضان، وذهَب آخرون إلى أنها ليلةُ سبع وعشرين في كلِّ رمضان، وذهَب آخرون إلى أنَّها تنتقلُ في كلِّ وترٍ من العَشْرِ الأواخر، وهذا عندَنا هو الصحيحُ إن شاء الله. وقد ذكَرنا القائلين بهذه الأقاويل وما رُوي في ذلك كلِّه من الأثرِ في باب حُميد الطويل، والحمدُ للّه. وذكَرْنا في باب أبي النَّضْر (¬٣) من هذا الكتاب ما قيل في ليلةِ ثلاثٍ
---------------
= وهو عند أحمد في المسند ٣/ ٤٠٣ (١٩٢٧)، والبخاري (٨١٥) و (٨١٦)، ومسلم (٤٩٠) من طرق عن عمرو بن دينار، به بلفظ: "أُمِرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يسجدَ على سبعة أعظُم ... ". والآراب: الأعضاء، واحدها إرْب، بالكسر والسُّكون. الصحاح (أرب).
(¬١) في الأصل: "ليلة صبيحة"، والمثبت من بقية النسخ.
(¬٢) في أثناء شرح الحديث الرابع له عن أنس رضي الله عنه، وهو في الموطأ ١/ ٤٢٩ (٨٩٤)، وقد سلف في موضعه.
(¬٣) وهو سالم بن أبي أُميّة، مولى عمر بن عُبيد الله بن معمر التَّيميّ، وقد سلف ذلك في أثناء شرح الحديث الحادي عشر له عن عبد الله بن أُنيس الجُهني، وهو في الموطأ ١/ ٤٢٩ (٨٩٣).

الصفحة 431