كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 14)

وأما حديثُه المسنَدُ في الموطّأ (¬١)، فهو: مالكٌ، عن يزيدَ بنِ قُسَيطٍ، عن محمدِ بنِ عبدِ الرّحمنِ بنِ ثَوْبان، عن أبيه، عن عائشة، أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرَ أن يُستَمْتَعَ بجُلودِ المَيْتة إذا دُبِغَتْ.
هذا حديثٌ ثابتٌ من جهة الإسناد، وبه أخذَ مالكٌ في جُلودِ المَيتةِ إذا دُبِغَتْ أن يُستَمتَعَ بها، ولا تُباعَ ولا تُرْهنَ، ولا يُصلّى عليها، ولا يُتوضّأ فيها، ويُستَمتَعُ بها في سائرِ ذلك من وُجوهِ الانتفاع، لأنَّ طهارةَ الدِّباغ عندَه ليسَتْ بطهارةٍ كاملةٍ، وأكثرُ الفقهاءِ يقولون: إنّ دِباغَها طَهورُها طهارةَ كاملة في كلِّ شيءٍ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أيُّما إهابٍ دُبغَ فقد طَهُرَ" (¬٢). وقد ذكَرْنا ما للعُلماء في هذا الباب من المذاهبِ والأقوالِ والحُجَجِ والاعتلالِ في باب زَيْد بنِ أسلَمَ عن ابنِ وعْلَةَ (¬٣) من هذا الكتاب، والحمدُ للّه.
وروَى مالكٌ (¬٤) عن يزيدَ بنِ قُسَيط، عن سعيدِ بنِ المُسيّب، أنَّه كان يقول: ذَكاةُ ما في بطْنِ الذّبيحةِ ذكاةُ أُمِّه، إذا كان قد نَبَت شَعرُه وتمَّ خَلْقُه.
وقد روَى عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "ذَكاةُ الجَنينِ ذَكاةُ أُمِّه" جابر (¬٥)، وابن
---------------
(¬١) ١/ ٦٤٣ (١٤٣٨).
(¬٢) أخرجه أحمد في المسند ٣/ ٣٨٢ (١٨٩٥)، ومسلم (٣٦٦) من حديث عبد الرحمن بن وعْلَة، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(¬٣) في أثناء شرح الحديث السادس عشر لزيد بن أسلم، عنه، وقد سلف في موضعه، وهو في الموطأ ١/ ٦٤٣ (١٤٣٧).
(¬٤) الموطّأ ١/ ٦٣٣ (١٤١٣).
(¬٥) أخرجه أبو داود (٢٨٢٨)، والدارمي (٤٧٣٧)، والحاكم في المستدرك ٤/ ١١٤ من طريق إسحاق بن إبراهيم بن راهوية، عن عتاب بن بشير، عن عُبيد الله بن أبي زياد القدّاح المكّيّ، عن أبي الزُّبير، عنه، به. وإسناده ضعيف، لأجل عُبيد الله بن أبي زياد القدّاح فهو ضعيف يعتبر بحديثه، وقد اختلفت أقوال الأئمة فيه، ولم يُطلق توثيقه سوى العجلي، فهو ممن تُعتبر أحاديثه =

الصفحة 445