كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 14)
عبدِ اللَّه بنِ الشِّخِّير، عن أبيه، قال: أتيتُ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يُصلِّي ولجوفِه أزيزٌ كأزيز المِرْجَل. يعني: من البكاء.
واختلَف الفقهاءُ في الأنين في الصلاة؛ فقال مالك: الأنينُ لا يقطعُ الصلاةَ للمريض، وأكرَهُه للصحيح.
ورَوَى ابنُ عبدِ الحكم، عن مالك: التَّنَحْنُحُ والأنينُ والنفْخُ لا يقطعُ الصلاة. وقال ابنُ القاسم: يقطَعُ (¬١).
وقال الثوريُّ: أكرَهُ الأنينَ للصحيح (¬٢).
وقال الشافعيُّ: إن كان له حروفٌ تُسمَعُ وتُفهَمُ قطَع الصلاة (¬٣).
وقال أبو حنيفة: إن كان من خوفِ اللَّه لم يقطَعْ، وإن كان من وجَعٍ قطَع. ورُوِي أبي يوسفَ أن صلاتَه تامةٌ في ذلك كلِّه؛ لأنه لا يخلُو مريضٌ ولا ضعيفٌ من الأنين (¬٤).
قال أبو عُمر: في حديثِ هذا الباب مع حديث ابن الشِّخِّير دليلٌ على أنّ البكاءَ لا يقطَعُ الصَّلاة، وهذا ما لم يكنْ كلامًا تُفهَمُ حُروفُه، ولم يكنْ رياءً (¬٥) وعَبَثًا، وكان من خشْيَة اللَّه، أو فيما أباحَه اللَّهُ تعالى وجلَّ، وبه التوفيق (¬٦).
---------------
(¬١) المدوّنة ١/ ١٩٤.
(¬٢) نقله عنه الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ١/ ٣٠٩، وينظر: الأوسط لابن المنذر ٢/ ٤٢٨ - ٤٣٠.
(¬٣) ينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٣٠٩، والمجموع شرح المهذّب للنووي ٤/ ٧٨ - ٨٠.
(¬٤) نقله عنهما الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ١/ ٣٠٩.
(¬٥) كتب في الأصل: "ضعفًا" ثم ضرب عليه وكتب في الحاشية: "رياءً" وصحّح عليه.
(¬٦) كتب الناسخ في حاشية الأصل: "بلغت المقابلة بحمد اللَّه وحسن عونه".