كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 14)

وفيه: بيانُ أنَّ مباشرةَ المرأةِ للرجل ليست كمباشرةِ الرجل لها، وأن المعنى المرادَ بالمباشرة هاهنا: الجماعُ وما كان في معناه، وقد تقدَّم القولُ في ذلك كلِّه، والحمدُ للَّه.
وفي هذا الحديث دليلٌ على أنَّ الحائضَ ليست بنجَس، وهو أمرٌ مجتمَعٌ عليه، وقد قال -صلى اللَّه عليه وسلم- لعائشة: "ناوليني الخُمرَةَ"، فقالت: إنِّي حائضٌ، فقال: "إنّ حيضتَكِ ليست في يَدِكِ" (¬١). وقد مضَى القولُ في معنى هذا الحديث في باب ربيعة.
وفي ترجيل عائشةَ شعرَ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهي حائضٌ تفسيرٌ لقول اللَّه عزَّ وجلَّ: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: ٢٢٢]؛ لأنَّ اعتزالَهُنَّ كان يحتملُ ألا يُقرَبْنَ في البيوت، ولا يُجتمعَ معهنَّ في مواكَلَةٍ ولا مُشارَبة، ويَحتملُ أن يكونَ اعتزالَ الوطءِ لا غير، ويَحتملُ أن يكونَ مباشرتَهنَّ مُؤْتِزرات؛ فبيّن رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مرادَ اللَّه من ذلك على ما قد أوضحناه، وذكَرنا اختلافَ العلماءِ فيه وما جاء في ذلك من الآثار عن النبيِّ عليه السلامُ في باب ربيعة (¬٢)، وقد ذكَرنا كثيرًا من حُكْم طهارةِ الحائض في باب ابنِ شهاب عن عُروةَ في حديثِ الاعتكاف (¬٣)، وذكَرنا في باب نافع (¬٤) الحُكْم في الوُضوء بسُؤْرِ المرأةِ وفضل وُضوئها والاغتسال معها في إناءٍ واحد، وهو أمرٌ صحَّت به الآثارُ واتفقَ عليه فقهاءُ الأمصار.
وفيه دليلٌ على أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان ذا شعَر، وقد مضَى في باب زيادِ بنِ
---------------
(¬١) سلف تخريجه في أثناء الحديث السابع من مرسل ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عائشة رضي اللَّه عنها.
(¬٢) في أثناء شرح الحديث السابع له، وقد سلف في موضعه.
(¬٣) هو في الموطأ ١/ ٤١٩ (٨٦١)، وهو الحديث الرابع عشر لابن شهاب الزُّهري عن عروة بن الزُّبير، وقد سلف في موضعه.
(¬٤) وهو نافع مولى عبد اللَّه بن عمر، وحديثه في الموطأ ١/ ٥٨ (٤٨)، وهو الحديث التاسع والعشرون له عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما، وقد سلف في موضعه.

الصفحة 85