كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 14)

قال (¬١): حدَّثنا محمدُ بنُ عبيدٍ المُحارِبيُّ، قال: حدَّثنا عمرُو بنُ هاشم (¬٢) أبو مالكٍ الجَنْبيُّ، عن إسماعيلَ بن أبي خالد، عن عامر، عن عليٍّ بنِ أبي طالب، قال: لا تُغالُوا في كفن، فإني سمِعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا تُغالوا في الكَفَن؛ فإنه يُسْلَبُ سلْبًا سريعًا" (¬٣).
قال أبو عمر: استحَبَّ مالكٌ أن يُعمَّمَ الميت، وزعَم أصحابُه أن العمامةَ عندَهم معروفةٌ بالمدينة في كفنِ الرجل، قالوا: وكذلك الخمارُ للمرأة. وكذلك استحَبَّ مالكٌ أيضًا أن يُقَمَّصَ الميت (¬٤).
وأما الشافعيُّ فقال (¬٥): أحَبُّ الكفنِ إليَّ ثلاثةُ أثواب: لفائفُ بيضٌ ليس فيها قميصٌ ولا عِمامة، فإنَّ ذلك الذي اختاره اللَّهُ لنبيِّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، واختاره له أصحابُه رِحمهم اللَّه.
وقال عيسى بن دينار (¬٦): لا ينبغي لمن يجدُ أن يَنقُصَ الميتَ من ثلاثةِ أثواب يُدرَجُ فيها إدراجًا، لا يُجعلُ له إزارٌ ولا عِمامة، ولكن يُدرَجُ كما أُدْرِج النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا يَنبغي أن يُزادَ الرجلُ على ثلاثةِ أثواب، وينبغي لمَن يجدُ أن لا ينقُصَ المرأةَ من خمسةِ أثواب؛ درع وخمارٍ وثلاثِ لفائف، أما الخمارُ فيخمَّرُ به رأسُها، وأما
---------------
(¬١) في سننه (٣١٥٤)، ومن طريقه أخرجه البيهقي في الكبرى ٣/ ٤٠٣ (٦٩٤٣). وإسناده ضعيف على انقطاع فيه، عمرو بن هاشم الجَنْبيُّ ليِّن الحديث، وعامر -وهو ابن شراحيل الشَّعبيُّ- قال الدارقطني في علله ٤/ ٩٧ (٤٤٩): "سمع من عليٍّ حرفًا، ما سمع غير هذا" يعني حديثه عن عليٍّ رضي اللَّه عنه حين جلد المرأة المحصنة، ولمّا وضعت رَجَمها وقال: "جَلَدتُها بكتاب اللَّه، ورجمتُها بسُنَّة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" أخرجه أحمد في المسند ٢/ ١٢١ (٧١٦)، والبخاري (٦٨١٢).
(¬٢) في الأصل: "هشام"، خطأ بيّن. وينظر: تهذيب الكمال ج ٢٢/ ٢٧٢.
(¬٣) قوله: "يُسلَب سلْبًا سريعًا" قال النووي في تهذيب الأسماء ٣/ ١٥١: "فُسِّر تفسيرين، أحدهما: يبلى عاجلًا، فلا فائدة في المُغالاة فيه. والثاني: أنّ النبّاش يقصدُه إذا كان غاليًا نفيسًا فيسلبه. والسّلْبُ: اجتذابُ الثوب من الملابس".
(¬٤) ينظر: الرسالة للقيرواني ١/ ٥٣، والذخيرة للقرافي ٢/ ٤٥٤.
(¬٥) في الأمّ ١/ ٣٠٣.
(¬٦) هو أبو محمد الغافقي القرطبي، من فقهاء المالكية، لزم ابن القاسم مدّةً.

الصفحة 97