كتاب المجموع شرح المهذب (اسم الجزء: 14)

يشتريه في ذمته، وهو في كلا الحالين لازم للموكل، وبنى ذلك على أصله: أن الدراهم والدنانير لا يتعينان عنده.
قال الماوردى: وهذا خطأ لتعين الدراهم والدنانير عندنا في العقود كما يتعين في الغصوب، وقد دللنا على ذلك في كتاب البيوع، ولان يد الوكيل كيد المودع، ومال الوديعة متعين وكذا ما بيد الوكيل متعين، وإذا تعين ما بيده لموكله حتى لا يجوز أن يرد عليه غير ماله، وجب أن يكون الشراء محمولا على موجب اذنه.
والقسم الثاني: أن يأمره أن يشترى في ذمته وينقد المال في ثمنه، فان اشتراه في الذمة صح وكان لازما للموكل، وان اشتراه بعين المال ففيه وجهان: أحدهما وهو قول أبى على الطبري ذكره في افصاحه أن الشراء جائز، وهو للموكل لازم لان العقد على المعين أحوط.
والوجه الثاني وهو اختيار أبى حامد الاسفرايينى: أن الشراء باطل لا يلزم الوكيل لانه غير مالك للعين، فلا يلزم الموكل، لان الموكل قد فوت عليه بالمخالفة غرضا، لان العقد في الذمة لا يبطل بتلف الثمن، والعقد على العين يبطل بتلف الثمن.
فصار فعل الوكيل مخالفا لامر الموكل، فلو امتثل الوكيل أمر موكله أو اشترى السيارة بثمن في ذمته ثم نقد الثمن من عنده، برئ الوكيل والموكل منه، ولم يكن للوكيل أن يرجع على الموكل لان أمره بنقد هذا المال في
الثمن يتضمن نهيا عن نقده من غيره.
والقسم الثالث: أن يطلق الاذن في الشراء عند دفع المال فيقول: خذ هذا المال فاشتر لى به سيارة فقد اختلف أصحابنا هل يكون اطلاقه مقتضيا للتعيين أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا - وَهُوَ قَوْلُ أبى على الطبري: أنه يقتضيه لان تقديم الثمن على السيارة شاهد فيه، فعلى هذا ان اشترى في ذمته كان الشراء لازما للوكيل دون الموكل، والوجه الثاني - وهو قول بعض البصريين: انه لا يقتضى التعيين، لان الاطلاق على العموم، فعلى هذا يكون الوكيل مخيرا بين العقد على العين أو في الذمة، ومذهب أحمد في هذا كله كنحو مذهبنا.

الصفحة 133