كتاب المجموع شرح المهذب (اسم الجزء: 14)

في ذلك، فمنهم من قال: لا يرجع عليه بشئ ; ولم يذكر ابن الصباغ غيره.
لانه منكر لما شهدت له البينة، مقر أن المدعى ظالم له فلا يرجع على عين من ظلمه، ومن قال بهذا تأول ما نقله المزني أربع تأويلات.
(أحدها) يحتمل أن يكون الحاضر صدق المدعى فيما ادعى غير أن المدعى
قال: وأنا أقيم البينه أيضا فأقامها، فيرجع ههنا، لانه ليس فيه تكذيب البينة.
(الثاني) أن يكون الحاضر لم يقر ولم ينكر، بل سكت، فأقام المدعى البينة فليس فيه تكذيب.
(الثالث) أن يكون الحاضر أنكر شراء نفسه، ولم يعرض لشراء شريكه.
فقامت عليه البينة.
(الرابع) أن يكون الحاضر أنكر شراءه وشراء شريكه وضمانهما إلا أن الحاضر لما قامت البينة وأخذ من المدعى الالف ظلما ثبت على الغائب خمسمائة بالبينة، وقد أخذ المدعى من الحاضر خمسمائة ظلما فيكون للحاضر أن يأخذ ما ثبت للمدعى على الغائب.
ومن أصحابنا من وافق المزني وقال: يرجع الحاضر على الغائب بخمسمائة وإن أنكر الشراء والضمان لانه يقول: كان عندي إشكال في ذلك، وقد كشفت هذه البينة هذا الاشكال وأزالته، فهو كمن اشترى شيئا وادعاه عليه آخر بأنه له وأنكر المشترى ذلك، وأقام المدعى بينه وانتزع منه.
فان له أن يرجع على البائع بالثمن، ولا يقال: ان باقراره أن المدعى ظالم يسقط حقه من الرجوع.
وقال الشيخ أبو حامد في التعليق ينظر في الحاضر فان تقدم منه تكذيب البينه مثل أن قال من يبيع منك شيئا ولا يستحق علينا شيئا.
ثم قامت البينه بذلك فانه لا يرجع على صاحبه بشئ لانه قد كذب البينة بما شهدت وأن هذا المدعى ظالم قيل له.
فان قدم الغائب واعترف بصدق المدعى وقال: لا يرجع عليه بشئ لانه يقر له بما لا يدعيه.
وان لم يتقدم منه تكذيب البينة مثل أن قال.
مالك عندي شئ.
فانه يرجع على صاحبه بخمسمائه لانه ضمن عنه باذنه ودفع عنه (قلت) ولعل صاحب الوجه الاول لا يخالف تفصيل الشيخ أبى حامد في جواب الحاضر وأن الحكم يختلف باختلاف جوابه كما ذكر والله الموفق والمعين.

الصفحة 58