كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 14)

اعتبر به غيره، ولهذا قال القشيري: الاعتبار هو النظر في حقائق الأشياء وجهات دلالتها ليعرف بالنظر فيها شيء آخر.
(ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء) أي الخروج من أوطانهم على ذلك الوجه مع الأهل والولد، وقضى به عليهم (لعذبهم) بالقتل والسبي (في الدنيا) كما فعل ببني قريظة، والجلاء مفارقة الوطن، يقال: جلا بنفسه جلاء، وأجلاه غيره إجلاء، والفرق بين الجلاء والإخراج -وإن كان معناهما في الإبعاد واحداً- من جهتين إحداهما أن الجلاء ما كان مع الأهل والولد، والإِخراج قد يكون مع بقاء الأهل والولد، الثاني أن الجلاء لا يكون إلا لجماعة والإِخراج يكون لجماعة ولواحد كذا قال الماوردي.
(ولهم في الآخرة عذاب النار) مستأنفة غير متعلقة بجواب لولا، متضمنة لبيان ما يحصل لهم في الآخرة من العذاب، وإن نجوا من عذاب الدنيا.
(ذلك) أي ما تقدم ذكره من الجلاء في الدنيا والعذاب في الآخرة (بأنهم شاقوا الله ورسوله) أي بسبب المشاقة منهم لله ولرسوله لعدم الطاعة والميل مع الكفار ونقض العهد (ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب) اقتصر ههنا على مشاقة الله لأن مشاقته شاقة لرسوله قرأ الجمهور يشاق بالإدغام وقرىء يشاقق بالفك.

الصفحة 41