كتاب صحيح ابن حبان - محققا (اسم الجزء: 14)

فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ خَطِيبًا، فَقِيلَ لَهُ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ قَالَ: أَنَا، قَالَ: فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ، إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: عَبْدٌ لِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ، قَالَ: أَيْ رَبِّ فَكَيْفَ لِي بِهِ، قَالَ: تَأْخُذُ حُوتًا فَتَجْعَلُهُ فِي مِكْتَلٍ (1) ، فَحَيْثُ مَا فَقَدْتَ الْحُوتَ، فَهُوَ ثَمَّ، قَالَ: فَأَخَذَ الْحُوتَ فَجَعَلَهُ فِي الْمِكْتَلِ، فَدَفَعَهُ إِلَى فَتَاهُ، فَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ، فَرَقَدَ مُوسَى فَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمِكْتَلِ، فَخَرَجَ فَوَقَعَ فِي الْبَحْرِ، فَأَمْسَكَ اللَّهُ عَلَيْهِ جَرْيَةَ الْمَاءِ، فَصَارَ (2) مِثْلَ الطَّاقِ (3) ، فَكَانَ الْبَحْرُ لِلْحُوتِ سَرَبًا، وَلِمُوسَى وَلِفَتَاهُ عَجَبًا، فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ وَجَدَ مُوسَى النَّصَبَ، فَقَالَ: {آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: 62] .
قَالَ: وَلَمْ يَجِدِ النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا، فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} [الكهف: 63] .
قَالَ: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} [الكهف: 64] ، فَجَعَلَا يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ، فَإِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى عَلَيْهِ بِثَوْبٍ فَسَلَّمَ، فَقَالَ: وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى، قَالَ:
__________
(1) المكتل يسع خمسة عشر صاعاً.
(2) سقطت من الأصل و "التقاسيم"، واستدركت من مصادر التخريج.
(3) قال الإمام النووي 15/138: الجِرية: بكسر الجيم، والطاق: عقد البناء، وجمعه طِيقان وأطواق: وهو الأزج، وما عقد أعلاه من البناء وبقي ما تحته خالياً.

الصفحة 105