كتاب صحيح ابن حبان - محققا (اسم الجزء: 14)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= الاستدلال، وقوله: "ليطمئن قلبي" أي: بيقين النظر.
وحكي عن سعيد بن جبير أنه قال: {ولكن ليطمئن قلبي} أي: بالخلّة، يقول: إني أعلم أنّك اتخذتني خليلاً، ومثله عن ابن المبارك.
ويحكى عن ابن المبارك أيضاً في قوله: {ولكن ليطمئن قلبي} أي: ليرى من أدعوه إليك منزلتي ومكاني منك، فيجيبوني إلى طاعتك.
وقيل: لما نزلت الآية قال قوم: شكّ إبراهيم ولم يشك نبينا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هذا القول تواضعاً منه، وتقديراً لإبراهيم.
وكذلك قوله في يوسف: "لو لبثت فى السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي"، وصف يوسف بالأناة والصبر حيث لم يبادر إلى الخروج حين جاءه رسول الملك فِعْل المذنب يُعفى عنه مع طول لَبثه في السجن، بل قال: {ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن} أراد أن يُقيم عليهم الحجة في حبسهم إياه ظلماً، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك على سبيل التواضع، لا أنه كان في الأمر منه مبادرة وعجلة لو كان مكان يوسف، والتواضع لا يصغر كبيراً، ولا يضع رفيعاً، ولا يبطل لذي حقٍ حقّاً، ولكنه يوجب لصاحبه فضلاً، ويكسبه جلالاً وقدراً.
وقوله سبحانه وتعالى: {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك} [يونس: 49] الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والمراد غيره ممن شكّ في تنزيل القرآن، كقوله سبحانه وتعالى: {يا أيُّها النبي اتق الله} [الأحزاب: 1] ، وقوله: {واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا} [الزخرف: 45] أي: سَلْ من أرسلنا إليه من قبلك رسلاً من رسلنا، يعني أهل الكتاب، الخطاب له، والمراد المشركون.
وقوله: "رحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد" أراد به قوله لقومه: {لو أنّ لي بكم قوةً أو آوي إلى رُكْنٍ شديد} [هود: 80] أي: لو كانت لي عشيرة لدفعوكم، ترحم عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - لسهوه في الوقت الذي ضاق صدرُه، واشتد جزعُه بما دهمه من قومه حتى قال: أو آوي إلى ركن شديد، وقد كان يأوي إلى أشدِّ الأركانِ من الله تعالى.

الصفحة 91