كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 14)

بلّحوا: امْتَنعُوا، يُقَال: بلَّح الْغَرِيم إِذا قَامَ عَلَيْك فَلم يؤد حَقك، وبلَّحْت الْبركَة إِذا انْقَطع مَاؤُهَا. قَوْله: (قد عرض لكم) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره: قد عرض عَلَيْكُم. قَوْله: (خطة رشد) بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الطَّاء الْمُهْملَة، والرشد، بِضَم الرَّاء وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَبِفَتْحِهَا أَي: خصْلَة خير وَصَلَاح، وإنصاف، وَيُقَال: خُذ خطة الْإِنْصَاف أَي: انتصف. قَوْله: (آتيه) ، بِالْيَاءِ على الِاسْتِئْنَاف أَي: أَنا آتيه، وَيجوز: أته، بِالْجَزْمِ جَوَابا لِلْأَمْرِ. قَوْله: (قَالُوا: ائته) هَذَا أَمر من: أَتَى يَأْتِي، وَالْأَمر مِنْهُ يَأْتِي بهمزتين أحداهما همزَة الْكَلِمَة وَالْأُخْرَى همزَة الْوَصْل فحذفت همزَة الْكَلِمَة للتَّخْفِيف، وَقَالَ بَعضهم: قَالُوا: ائته، بِأَلف وصل بعْدهَا همزَة سَاكِنة ثمَّ مثناة مَكْسُورَة ثمَّ هَاء سَاكِنة، وَيجوز كسرهَا. قلت: لَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ لَا يُقَال ألف الْوَصْل، وَإِنَّمَا يُقَال: همزَة الْوَصْل، لِأَن الْألف لَا تقبل الْحَرَكَة، وَلَا يجوز تسكين الْهَاء إلاَّ عِنْد الْوَقْف لِأَنَّهَا هَاء الضَّمِير وَلَيْسَت بهاء السكت حَتَّى تكون سَاكِنة، وَكَيف يَقُول: وَيجوز كسرهَا؟ بل كسرهَا مُتَعَيّن فِي الأَصْل. قَوْله: (نَحوا من قَوْله لبديل) . وَزَاد ابْن إِسْحَاق: وَأخْبرهُ أَنه لم يَأْتِ، يُرِيد حَربًا. قَوْله: (فَقَالَ عُرْوَة عِنْد ذَلِك) أَي: عِنْد قَوْله: لأقاتلنهم. قَوْله: (أَي مُحَمَّد) أَي: يَا مُحَمَّد. قَوْله: (أَرَأَيْت؟) أَي: أَخْبرنِي. قَوْله: (إِن استأصلت أَمر قَوْمك) من الاستئصال وَهُوَ الِاسْتِهْلَاك بِالْكُلِّيَّةِ. قَوْله: (اجتاح) بجيم وَفِي آخِره حاء مُهْملَة، وَمَعْنَاهُ: استأصل. قَوْله: (وَإِن تكن الْأُخْرَى) جَزَاؤُهُ مَحْذُوف تَقْدِيره: وَإِن تكن الدولة لقَوْمك فَلَا يخفى مَا يَفْعَلُونَ بكم، وَفِيه رِعَايَة الْأَدَب مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَيْثُ لم يُصَرح إلاَّ بشق غالبيته، وَلَفظ، فَأَنِّي، كالتعليل لظُهُور شقّ المغلوبية. قَوْله: (وُجُوهًا) ، أَي: أَعْيَان النَّاس. قَوْله: (أشواباً) بِتَقْدِيم الشين الْمُعْجَمَة على الْوَاو. قَالَ الْخطابِيّ: يُرِيد الأخلاط من النَّاس. قَالَ: والشوب الْخَلْط، ويروى: أوشاباً، بِتَقْدِيم الْوَاو على الشين، وَهُوَ مثله يُقَال: هم أوشاب وأشابات: إِذا كَانُوا من قبائل شَتَّى مُخْتَلفين، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني: أوباشاً، وهم الأخلاط من السفلة. وَقَالَ الدَّاودِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى: الأوشاب: أرذل النَّاس، وَعَن الْقَزاز مثل الأوباش. قَوْله: (خليقاً) ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالْقَاف، أَي: حَقِيقا وزنا وَمعنى، يُقَال: خليق للْوَاحِد وَالْجمع، فَلذَلِك وَقع صفة لأشواب ويروى: خلقاء، بِالْجمعِ. قَوْله: (أَن يَفروا) ، أَي: بِأَن يَفروا ويدعوك: أَي يتركوك، بِفَتْح الدَّال وَهُوَ من الْأَفْعَال الَّتِي أمات الْعَرَب ماضيها، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن الْعَادة جرت أَن الجيوش المجتمعة من أخلاط النَّاس لَا يُؤمن عَلَيْهِم الْفِرَار، بِخِلَاف من كَانَ من قَبيلَة وَاحِدَة، فَإِنَّهُم يأنفون الْفِرَار فِي الْعَادة، وَفَاتَ عُرْوَة الْعلم بِأَن مَوَدَّة الْإِسْلَام أعظم من مَوَدَّة الْقَرَابَة. قَوْله: (فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: وَأَبُو بكر الصّديق خلف رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَاعد، فَقَالَ لَهُ، أَي: لعروة: (امصص بظر اللات) ويروى عَن الزُّهْرِيّ: وَهِي طاغيته، أَي: اللات طاغية عُرْوَة الَّتِي تعبد، وامصص: بِفَتْح الصَّاد الأولى، أَمر من: مصص يمصص، من بَاب: علم يعلم، كَذَا قَيده الْأصيلِيّ، وَقَالَ ابْن قرقول: هُوَ الصَّوَاب من مص يمص، وَهُوَ أصل مطرد فِي المضاعف مَفْتُوح الثَّانِي، وَفِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ: ضم الصَّاد الأولى حكى عَنهُ ابْن التِّين وخطأها. والبظر، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الظَّاء الْمُعْجَمَة: قِطْعَة تبقى بعد الْخِتَان فِي فرج الْمَرْأَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هِيَ عنة عِنْد شفري الْفرج لم تخْفض. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: هِيَ الهنة الَّتِي تقطعها الخافضة من فرج الْمَرْأَة عِنْد الْخِتَان. قلت: قَول الْكرْمَانِي: عِنْد شفري الْفرج، لَيْسَ كَذَلِك، بل البظر بَين شفريها، وَكَذَا قَالَ فِي (الْمغرب) : بظر الْمَرْأَة هنة بَين شفري رَحمهَا، وَقَالَ أَبُو عبيد: البظارة مَا بَين الأسكتين، وهما جانبا الْحيَاء، وَقَالَ أَبُو زيد: هُوَ البظر، وَقَالَ ابْن مَالك: هُوَ البنظر، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: البيظرة مَا تقطعه الخاتنة من الْجَارِيَة ذكره فِي (الْمُخَصّص) وَفِي (الْمُحكم) : البظر مَا بَين الأسكتين، وَالْجمع: بظور، وَهُوَ البيظر والبيظارة، وَامْرَأَة بظراء: طَوِيلَة البظر، وَالِاسْم: البظر، وَلَا فعل لَهُ، والبظر: الخاتن كَأَنَّهُ على السَّلب، وَرجل أبظر لم يختتن. وَقَالَ ابْن التِّين: هِيَ كلمة تَقُولهَا الْعَرَب عِنْد الذَّم والمشاتمة، لَكِن تَقول: بظر أمه، واستعار أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ذَلِك فِي اللات لتعظيمهم إِيَّاهَا، وَحمل أَبَا بكر على ذَلِك مَا أغضبهُ بِهِ من نِسْبَة الْمُسلمين إِلَى الْفِرَار. قَوْله: (أَنَحْنُ نفر؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الْإِنْكَار. قَوْله: (من ذَا؟) قَالُوا: أَبُو بكر. وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: فَقَالَ: من هَذَا يَا مُحَمَّد؟ قَالَ: ابْن أبي قُحَافَة. قَوْله: (إِمَّا هُوَ) حرف استفتاح. قَوْله: (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ) ، يدل على أَن الْقسم بِذَاكَ كَانَ عَادَة الْعَرَب. قَوْله: (لَوْلَا يَد) ، أَي: نعْمَة ومنة. قَوْله: (لم أجزك بهَا) أَي: لم أكافِكَ، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: وَلَكِن هَذِه بهَا، أَي: جازاه بِعَدَمِ

الصفحة 10