كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 14)

إجَابَته عَن شَتمه بِيَدِهِ الَّتِي كَانَ أحسن إِلَيْهِ بهَا، وَجَاء عَن الزُّهْرِيّ بَيَان الْيَد الْمَذْكُورَة، وَهُوَ أَن عُرْوَة كَانَ تحمل بدية فأعانه فِيهَا أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بعون حسن، وَفِي رِوَايَة الْوَاقِدِيّ: عشر قَلَائِص. قَوْله: (فَكلما تكلم) ، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ والكشميهني: فَكلما كَلمه أَخذ بلحيته، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: فَجعل يتَنَاوَل لحية النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يكلمهُ. قَوْله: (والمغيرة بن شُعْبَة قَائِم) ، وَفِي رِوَايَة أبي الْأسود عَن عُرْوَة: أَن الْمُغيرَة، لما رأى عُرْوَة بن مَسْعُود مُقبلا، لبس لأمته وَجعل على رَأسه المغفر ليستخفي من عُرْوَة عَمه. قَوْله: (بنعل السَّيْف) ، وَهُوَ مَا يكون أَسْفَل القراب من فضَّة أَو غَيرهَا. قَوْله: (أخر) أَمر من التَّأْخِير، وَزَاد ابْن إِسْحَاق فِي رِوَايَته: قبل أَن لَا تصل إِلَيْك، وَفِي رِوَايَة عُرْوَة بن الزبير: فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِمُشْرِكٍ أَن يمسهُ، وَفِي رِوَايَة إِبْنِ إِسْحَاق، فَيَقُول عُرْوَة: وَيحك مَا أفظك وأغلظك؟ وَكَانَت عَادَة الْعَرَب أَن يتَنَاوَل الرجل لحية من يكلمهُ، وَلَا سِيمَا عِنْد الملاطفة، وَيُقَال: عَادَة الْعَرَب أَنهم يستعملونه كثيرا، يُرِيدُونَ بذلك التحبب والتواصل، وَحكي عَن بعض الْعَجم فعل ذَلِك أَيْضا، وَأكْثر الْعَرَب فعلا لذَلِك أهل الْيمن، وَإِنَّمَا كَانَ الْمُغيرَة يمنعهُ من ذَلِك إعظاماً لسيدنا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإكباراً لقدره، إِذْ كَانَ إِنَّمَا يفعل ذَلِك الرجل بنظيره دون الرؤساء، وَكَانَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يمنعهُ من ذَلِك تألفاً لَهُ واستمالة لِقَلْبِهِ وقلب أَصْحَابه. قَوْله: (فَقَالَ: من هَذَا؟ قَالُوا: الْمُغيرَة) وَفِي رِوَايَة أبي الْأسود عَن عُرْوَة بن الزبير: فَلَمَّا أَكثر الْمُغيرَة مِمَّا يقرع يَده غضب، وَقَالَ: (لَيْت شعري من هَذَا الَّذِي قد آذَانِي من بَين أَصْحَابك، وَالله لَا أَحسب فِيكُم ألأم مِنْهُ وَلَا أشر منزلَة؟) وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: فَتَبَسَّمَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَقَالَ لَهُ عُرْوَة: (من هَذَا يَا مُحَمَّد؟) قَالَ: هَذَا ابْن أَخِيك الْمُغيرَة بن شُعْبَة. قَوْله: (فَقَالَ: أَي غدر) أَي: فَقَالَ عُرْوَة مُخَاطبا للْمُغِيرَة: يَا غدر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة على وزن: عمر، معدول عَن: غادر، مُبَالغَة فِي وَصفه بالغدر. قَوْله: (أَلَسْت أسعى فِي غدرتك) ، أَي: أَلَسْت أسعى فِي دفع شَرّ جنايتك ببذل المَال وَنَحْوه، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَكَانَ بَينهمَا قرَابَة. قلت: قد ذكرنَا أَنه كَانَ ابْن أخي عُرْوَة، وَكَأن الْكرْمَانِي لم يطلع على هَذَا، فَلهَذَا أبهمه. وَفِي الْمَغَازِي: عُرْوَة؟ وَالله مَا غسلت يَدي من غدرتك، وَلَقَد أورثتنا الْعَدَاوَة فِي ثَقِيف. وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: وَهل غسلت سوأتك إلاَّ بالْأَمْس؟ قَوْله: (وَكَانَ الْمُغيرَة صحب قوما فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَتلهُمْ) . وَبَيَانه مَا ذكره ابْن هِشَام، وَهُوَ: أَنه خرج مَعَ ثَلَاثَة عشر نَفرا من ثَقِيف من بني مَالك، فغدر بهم فَقَتلهُمْ وَأخذ أَمْوَالهم، فتهايج الْفَرِيقَانِ: بَنو مَالك والأحلاف رَهْط الْمُغيرَة، فسعى عُرْوَة بن مَسْعُود عَم الْمُغيرَة حَتَّى أخذُوا مِنْهُ دِيَة ثَلَاثَة عشر نفسا واصطلحوا، وَذكر الْوَاقِدِيّ الْقِصَّة، وحاصلها: أَنهم كَانُوا خَرجُوا زائرين الْمُقَوْقس بِمصْر فَأحْسن إِلَيْهِم وَأَعْطَاهُمْ وَقصر بالمغيرة، فحصلت لَهُ الْغيرَة مِنْهُم، فَلَمَّا كَانُوا بِالطَّرِيقِ شربوا الْخمر، فَلَمَّا سَكِرُوا وناموا وثب الْمُغيرَة فَقَتلهُمْ وَلحق بِالْمَدِينَةِ فَأسلم. قَوْله: (أما الْإِسْلَام فَأقبل) ، بِلَفْظ الْمُتَكَلّم أَي: أقبله. قَوْله: (وَأما المَال فلست مِنْهُ فِي شَيْء) ، أَي: لَا أتعرض إِلَيْهِ لكَونه أَخذه غدراً، وَلما قدم الْمُغيرَة على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأسلم قَالَ لَهُ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (مَا فعل المالكيون الَّذين كَانُوا مَعَك؟) قَالَ: قَتلتهمْ وَجئْت بأسلابهم إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليخمس، أَو ليرى فِيهَا رَأْيه، فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما المَال فلست مِنْهُ فِي شَيْء، يُرِيد: فِي حل، لِأَنَّهُ علم أَن أَصله غصب، وأموال الْمُشْركين، وَإِن كَانَت مغنومة عِنْد الْقَهْر، فَلَا يحل أَخذهَا عِنْد الْأَمْن، فَإِذا كَانَ الْإِنْسَان مصاحباً لَهُم فقد أَمن كل وَاحِد مِنْهُم صَاحبه، فسفك الدِّمَاء وَأخذ الْأَمْوَال عِنْد ذَلِك غدر، والغدر بالكفار وَغَيرهم مَحْظُور. قَوْله: (فَجعل يرمق) بِضَم الْمِيم، أَي: يلحظ. قَوْله: (مَا تنخم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نخامة) ويروى: إِن تنخم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نخامة، وَهِي: أَن النافية مثل: مَا، و: النخامة، بِضَم النُّون الَّتِي تخرج من أقْصَى الْحلق وَمن مخرج الْخَاء الْمُعْجَمَة. قَوْله: (فدلك بهَا) أَي: بالنخامة (وَجهه وَجلده) وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق أَيْضا: وَلَا يسْقط من شعره شَيْء إلاَّ أَخَذُوهُ. قَوْله: (ابتدروا) أَمر من الإبتدار، فِي الْأَمر وَهُوَ الْإِسْرَاع فِيهِ. قَوْله: (وضوءه) بِفَتْح الْوَاو وَهُوَ: المَاء الَّذِي يتوضؤ بِهِ. قَوْله: (وَمَا يحدون إِلَيْهِ النّظر) بِضَم الْيَاء وَكسر الْحَاء الْمُهْملَة من: الْإِحْدَاد وَهُوَ شدَّة النّظر. قَوْله: (ووفدت على قَيْصر وكسرى وَالنَّجَاشِي) هَذَا من بَاب عطف الْخَاص على الْعَام مثل قَوْله: (وفدت على الْمُلُوك) يتَنَاوَل هَؤُلَاءِ فقيصر، غير منصرف للعجمة والعلمية: وَهُوَ لقب لكل من ملك الرّوم، وكسرى، بِكَسْر الْكَاف وَفتحهَا: اسْم لكل من ملك الْفرس، وَالنَّجَاشِي: بتَخْفِيف الْجِيم وَتَشْديد الْيَاء وتخفيفها:

الصفحة 11