كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 14)

أظْفَرَكُمْ علَيْهِمْ} (الْفَتْح: 42، 62) . حتَّى بلَغَ {الحميَّة حَمِيَّةُ الجَاهِلِيَّةِ} (الْفَتْح: 42، 62) . وكانَتْ حَمِيَّتُهُمْ أنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا أنَّهُ نَبيُّ الله ولَمْ يُقِرُّوا بِبِسْمِ الله الرحْمانِ الرَّحِيمِ وحالُوا بَيْنَهُمْ وبَيْنَ الْبَيْتِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن فِيهِ الْمُصَالحَة مَعَ أهل الْحَرْب وَكِتَابَة الشُّرُوط، وَذَلِكَ أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَالح مَعَ أهل مَكَّة فِي هَذِه السفرة، وهم أهل الْحَرْب لِأَن مَكَّة كَانَت دَار الْحَرْب حِينَئِذٍ، وَكتب بَينه وَبينهمْ شُرُوطًا.
وَعبد الله بن مُحَمَّد هُوَ أَبُو جَعْفَر البُخَارِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي، وَعبد الرَّزَّاق بن همام الْيَمَانِيّ، وَمعمر بن رَاشد، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم قد مر ذكر الْمسور بن مخرمَة ومروان بن الحكم فِي أول كتاب الشُّرُوط فَإِنَّهُ أخرج عَنْهُمَا قِطْعَة من هَذَا الحَدِيث هُنَاكَ، وَهَهُنَا ذكره مطولا، وَهَذَا الحَدِيث بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَرْوَان مُرْسل لِأَنَّهُ لَا صُحْبَة لَهُ، وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمسور لِأَنَّهُ: وَإِن كَانَت لَهُ صُحْبَة، وَلكنه لم يحضر الْقِصَّة ولكنهما سمعا جمَاعَة من الصَّحَابَة شهدُوا هَذِه الْقِصَّة، كعمر وَعُثْمَان وَعلي والمغيرة بن شُعْبَة وَسَهل بن حنيف وَأم سَلمَة وَآخَرين، وَقد روى مَرْوَان والمسور عَن أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ مُحَمَّد بن طَاهِر: الحَدِيث الْمَرْوِيّ هُنَا مَعْلُول.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (يصدق كل وَاحِد مِنْهُمَا) أَي: من الْمسور ومروان، وَالْجُمْلَة محلهَا النصب على الْحَال. قَوْله: (زمن الْحُدَيْبِيَة) ، قد مر ضَبطهَا فِي كتاب الْحَج، وَهِي: بِئْر سمي الْمَكَان بهَا، وَقيل: شَجَرَة حدباء صغرت، وَسمي المكن بهَا. وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ: الْحُدَيْبِيَة قَرْيَة قريبَة من مَكَّة أَكْثَرهَا فِي الْحرم، وَكَانَ خُرُوجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمَدِينَة يَوْم الْإِثْنَيْنِ لهِلَال ذِي الْقعدَة سنة سِتّ بِلَا خلاف، وَمِمَّنْ نَص على ذَلِك الزُّهْرِيّ وَنَافِع مولى ابْن عمر وَقَتَادَة ومُوسَى بن عقبَة وَمُحَمّد بن إِسْحَاق. وَقَالَ يَعْقُوب بن سُفْيَان: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن الْخَلِيل عَن عَليّ بن مسْهر أَخْبرنِي هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ: خرج رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْحُدَيْبِيَة فِي رَمَضَان، وَكَانَت الْحُدَيْبِيَة فِي شَوَّال، وَهَذَا غَرِيب جدا عَن عُرْوَة. وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: خرج فِي ذِي الْقعدَة مُعْتَمِرًا لَا يُرِيد حَربًا، قَالَ ابْن هِشَام: وَاسْتعْمل على الْمَدِينَة نميلَة بن عبد الله اللَّيْثِيّ، وَقَالَ إِبْنِ إِسْحَاق: واستنفر الْعَرَب وَمن حوله من أهل الْبَوَادِي من الْأَعْرَاب لِيخْرجُوا مَعَه، وَهُوَ يخْشَى من قُرَيْش أَن يعرضُوا لَهُ بِحَرب ويصدوه عَن الْبَيْت، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ كثير من الْأَعْرَاب وَخرج رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمن مَعَه من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَمن لحق بِهِ من الْعَرَب، وسَاق مَعَه الْهَدْي وَأحرم بِالْعُمْرَةِ ليأمن النَّاس من حربه، وليعلموا أَنه إِنَّمَا خرج زَائِرًا للبيت ومعظماً لَهُ. قَالَ: وَكَانَ الْهَدْي سبعين بَدَنَة وَالنَّاس سَبْعمِائة رجل، فَكَانَت كل بَدَنَة عَن عشرَة أنفس. وَقَالَ ابْن عقبَة، عَن جَابر: عَن كل سَبْعَة بَدَنَة، وَكَانَ جَابر يَقُول: فِيمَا بَلغنِي، كُنَّا أَصْحَاب الْحُدَيْبِيَة أَربع عشرَة مائَة، وَعَن الزُّهْرِيّ فِي رِوَايَة ابْن أبي شيبَة: خرج فِي ألف وَثَمَانمِائَة. وَبعث عينا لَهُ من خُزَاعَة يدعى نَاجِية يَأْتِيهِ بِخَبَر قُرَيْش، كَذَا سَمَّاهُ نَاجِية، وَالْمَعْرُوف أَن نَاجِية اسْم الَّذِي بعث مَعَه الْهَدْي، نَص عَلَيْهِ ابْن إِسْحَاق وَغَيره، وَأما الَّذِي بَعثه عينا لخَبر قُرَيْش فاسمه بسر بن سُفْيَان، وَقَالَ الزُّهْرِيّ: خرج رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى إِذا كَانَ بعسفان لقِيه بسر بن سُفْيَان الكعبي، فَقَالَ: يَا رَسُول الله هَذِه قُرَيْش قد سَمِعت بمسيرك فَخَرجُوا وَقد نزلُوا بِذِي طوى. وَهَذَا خَالِد بن الْوَلِيد فِي خيلهم قدموها إِلَى كرَاع الغميم، وَهَذَا معنى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن خَالِد بن الْوَلِيد بالغميم. والغميم، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر الْمِيم وبضم الْغَيْن وَفتح الْمِيم أَيْضا، قَالَه ابْن قرقول، ورد ذَلِك الْحِمْيَرِي فِي كِتَابه (تثقيف اللِّسَان) بقوله: يَقُولُونَ لموْضِع بِقرب مَكَّة: الغميم، على التصغير، وَالصَّوَاب: الغميم، يَعْنِي بِالْفَتْح وَهُوَ وَاد بَينه وَبَين مَكَّة مرحلتان، وَذكر الْحَازِمِي فِي (كتاب الْبلدَانِ) : أَن الَّذِي بِالضَّمِّ وادٍ فِي ديار حَنْظَلَة من بني تَمِيم. قَوْله: (طَلِيعَة) ، نصب على الْحَال من قَوْله: (فِي خيل لقريش) ، وَهِي مُقَدّمَة الْجَيْش. قَوْله: (فَخُذُوا ذَات الْيَمين) ، وَهِي بَين ظَهْري الحمض فِي طَرِيق تخرجه على ثنية المرار مهبط الْحُدَيْبِيَة من أَسْفَل مَكَّة. قَالَ ابْن هِشَام: فسلك الْجَيْش ذَلِك الطَّرِيق، فَلَمَّا رَأَتْ خيل قُرَيْش قترة الْجَيْش قد خالفوا عَن طريقهم ركضوا رَاجِعين إِلَى قُرَيْش، وَهُوَ معنى قَوْله: (فوَاللَّه مَا شعر بهم خَالِد حَتَّى إِذا هم بقترة الْجَيْش) . القترة: بِفَتْح الْقَاف وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: الْغُبَار الْأسود. قَوْله: (فَانْطَلق) ، أَي: خَالِد. قَوْله: (يرْكض) ، جملَة حَالية من خَالِد من الركض، وَهُوَ الضَّرْب بِالرجلِ على الدَّابَّة لأجل استعجاله فِي السّير. قَوْله: (نذيراً) نصب على الْحَال من

الصفحة 6