كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 14)

الظَّوَاهِر الَّذين مِنْهُم بَنو تَمِيم بن غَالب ومحارب بن فهر. قَوْله: (على أعداد مياه الْحُدَيْبِيَة) الْأَعْدَاد، بِالْفَتْح جمع: عد، بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيد، وَهُوَ المَاء الَّذِي لَا انْقِطَاع لَهُ، يُقَال: مَاء عد، ومياه أعداد، قَالَ ابْن قرقول مثل: ند وأنداد، وَقَالَ الدَّاودِيّ: هُوَ مَوضِع بِمَكَّة، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَهُوَ ذُهُول مِنْهُ. قَوْله: (وَمَعَهُمْ العوذ المطافيل) ، العوذ بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو، وَفِي آخِره ذال مُعْجمَة: جمع عَائِذ، وَهِي النَّاقة الَّتِي مَعهَا وَلَدهَا، والمطافيل: الْأُمَّهَات اللَّاتِي مَعهَا أطفالها. قَالَ السُّهيْلي: يُرِيد أَنهم خَرجُوا بذوات الألبان ويتزودون بألبانها وَلَا يرجعُونَ حَتَّى يناجزوا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي زعمهم، وَإِنَّمَا قيل للناقة: عَائِذ، وَإِن كَانَ الْوَلَد هُوَ الَّذِي يعوذ بهَا لِأَنَّهَا عاطف عَلَيْهِ، كَمَا قَالُوا: تِجَارَة رابحة، وَإِن كَانَت مربوحاً فِيهَا، لِأَنَّهَا فِي معنى نامية زاكية. وَقَالَ الْخطابِيّ: العوذ الحديثات النِّتَاج، وَقَالَ ابْن التِّين: يجمع أَيْضا على عيذان. مثل: رَاع ورعيان. قلت: هَذَا التَّمْثِيل غير صَحِيح لِأَن: عائذاً، أجوف واوي، و: الرَّاعِي، نَاقص يائي. وَقَالَ الدَّاودِيّ: العوذ: سراة الرِّجَال، قَالَ ابْن التِّين: وَهُوَ ذُهُول، وَقيل: هِيَ النَّاقة الَّتِي لَهَا سبع لَيَال مُنْذُ ولدت، وَقيل: عشرَة، وَقيل: خمس عشرَة ثمَّ هِيَ مطفل بعد ذَلِك، وَقيل: النِّسَاء مَعَ الْأَوْلَاد، وَقيل: النوق مَعَ فصلائها، وَهَذَا هُوَ أَصْلهَا وَقَالَ ابْن الْأَثِير: جاؤا بالعوذ المطافيل أَي: الْإِبِل مَعَ أَوْلَادهَا. المطفل: النَّاقة الْقَرِيبَة الْعَهْد بالنتاج مَعهَا طفلها، يُقَال: أطفلت فَهِيَ مطفل ومطفلة، وَالْجمع: مطافل ومطافيل، بالإشباع يُرِيد أَنهم جاؤا بأجمعهم كبارهم وصغارهم وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن سعد: مَعَهم العوذ المطافيل وَالنِّسَاء وَالصبيان. قَوْله: (وصادُّوكَ) ، أَي: مانعوك، أَصله صادون: فَلَمَّا أضيف إِلَى كَاف الْخطاب حذفت النُّون، وَأَصله: صادٍ دُون، فأدغمت الدَّال فِي الدَّال. قَوْله: (قد نهكتهم الْحَرْب) ، بِفَتْح النُّون وَكسر الْهَاء وَفتحهَا: أَي بلغت فيهم الْحَرْب وأضرت بهم وهزلتهم. قَوْله: (ماددتهم، أَي: ضربت مَعَهم مُدَّة للصلح. قَوْله: (ويخلوا بيني وَبَين النَّاس) ، أَي: من كفار الْعَرَب وَغَيرهم. قَوْله: (فَإِن أظهر) ، قَالَ ابْن التِّين وَقع فِي بعض الْكتب بِالْوَاو وَهُوَ بِالْجَزْمِ أَي: إِن غلبت عَلَيْهِم. قَوْله: (فَإِن شاؤا) ، شَرط مَعْطُوف على الشَّرْط الأول، وَجَوَاب الشَّرْطَيْنِ. قَوْله: (فعلوا) . قَوْله: (وإلاَّ) ، أَي: وَإِن لم أظهر، أَي: وَإِن لم أغلب عَلَيْهِم (فقد جموا) بِالْجِيم الْمَفْتُوحَة وَضم الْمِيم الْمُشَدّدَة، أَي: استراحوا من جهد الْحَرْب، وَقد فسر بَعضهم هَذَا الْكَلَام: بقوله: إِن ظهر غَيرهم عَليّ كفاهم المؤونة، وَإِن أظهر أَنا فَإِن شاؤا أطاعوني وإلاَّ فَلَا تَنْقَضِي مُدَّة الصُّلْح إلاَّ وَقد جموا. انْتهى. قلت: من لَهُ إِدْرَاك فِي حل التراكيب ينظر فِيهِ: هَل هَذَا التَّفْسِير الَّذِي فسره يُطَابق هَذَا الْكَلَام أم لَا؟ فَإِن قلت: مَا معنى ترديده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا مَعَ أَنه جازم بِأَن الله تَعَالَى سينصره ويظهره عَلَيْهِم. قلت: هَذَا على طَرِيق التنزل مَعَ الْخصم، وعَلى سَبِيل الْفَرْض، ولمجاراة مَعَهم بزعمهم. وَقَالَ بَعضهم: ولهذه النُّكْتَة حذف القسيم الأول وَهُوَ التَّصْرِيح بِظُهُور غَيره عَلَيْهِ. قلت: وَقع التَّصْرِيح بِهِ فِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق وَلَفظه: فَإِن أصابوني كَانَ الَّذِي أَرَادوا. قَوْله: (حَتَّى تنفرد سالفتي) بِالسِّين الْمُهْملَة وَكسر اللَّام أَي: حَتَّى ينْفَصل مقدم عنقِي، أَي: حَتَّى أقتل. وَقَالَ الْخطابِيّ: أَي: حَتَّى يبين عنقِي، والسالفة مقدم الْعُنُق، وَقيل: صفحة الْعُنُق. وَفِي (الْمُحكم) : السالفة أَعلَى الْعُنُق. وَقَالَ الدَّاودِيّ: المُرَاد الْمَوْت، أَي: حَتَّى أَمُوت وَأبقى مُنْفَردا فِي قَبْرِي. قَوْله: (ولينفذن الله) بِضَم الْيَاء وَكسر الْفَاء أَي: ليمضين الله أمره فِي نصر دينه ويظهره وَإِن كَرهُوا. قَوْله: (فَقَالَ سفهاؤهم) ، سمى الْوَاقِدِيّ مِنْهُم: عِكْرِمَة بن أبي جهل وَالْحكم بن أبي الْعَاصِ. قَوْله: (فَقَامَ عُرْوَة بن مَسْعُود) أَي: ابْن معتب، بِضَم الْمِيم وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَكسر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة الثَّقَفِيّ، أسلم بعد ذَلِك وَرجع إِلَى قومه ودعاهم إِلَى الْإِسْلَام فَقَتَلُوهُ، فَقَالَ وَمِنْهَا:: مثله كَمثل صَاحب يَس فِي قومه، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: إِن مَجِيء عُرْوَة قبل قصَّة مَجِيء سُهَيْل بن عَمْرو، وَالله أعلم. قَوْله: (أَي قوم) أَي: يَا قومِي. قَوْله: (ألستم بالوالد؟) أَي: بِمثل الْوَالِد فِي الشَّفَقَة والمحبة. قَوْله: (أَو لَسْتُم بِالْوَلَدِ؟) أَي: مثل الْوَلَد فِي النصح لوالده، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: ألستم بِالْوَلَدِ وألست بالوالد؟ (قَالُوا: بلَى) وَالصَّوَاب هُوَ الأول. وَكَذَا فِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق وَأحمد وَغَيرهمَا، وَزَاد إِبْنِ إِسْحَاق عَن الزُّهْرِيّ: إِن أم عُرْوَة هِيَ سبيعة بنت عبد شمس بن عبد منَاف. قَوْله: (فَهَل تتهموني؟) أَي: قَالَ عُرْوَة: تنسبوني إِلَى التُّهْمَة؟ قَالُوا: لَا، لِأَنَّهُ كَانَ سيداً مُطَاعًا لَيْسَ بمتهم. قَوْله: (إِنِّي استنفرت أهل عكاظ) ، أَي: دعوتهم إِلَى نصركم وعكاظ، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْكَاف وبالظاء الْمُعْجَمَة: وَهُوَ اسْم سوق بِنَاحِيَة مَكَّة كَانَت الْعَرَب تَجْتَمِع بهَا فِي كل سنة مرّة. قَوْله: (فلمَّا بلَّحُوا عَليّ) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد اللاَّم وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة أَي: عجزوا، يُقَال: بلَّح الْفرس إِذا أعيى ووقف، وَقَالَ ابْن قرقول: وَتَخْفِيف اللَّام، قَالَ لُغَة الأغشى، واشتكى الأوصال مِنْهُ وبلح. وَقَالَ الْخطابِيّ:

الصفحة 9