كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)

العباد وحفظها ومنع الضرر عنهم، إلا أن هذه المصالح ليست هي ما يراه الإنسان مصلحة له ونفعا حسب هواه ورغبته، إنما المصلحة ما كانت مصلحة في ميزان الشرع الذي شرعه خالق الإنسان والكون معا فهو سبحانه مسبب أسبابه وأصل وجوده، وهو سبحانه القيوم - أي القائم - على ديمومة هذا الكون وهذا الإنسان حتى ينتهي العالم بإذنه، وهو سبحانه الوحيد الذي أحاط بكل شيء علما، ومن دواعي ومتطلبات هذه القيومية وهذه الإحاطة أن يحدد الأطر والقوانين والنواميس التي يمشي بها هذا الكون بشكل صحيح سواء أ كان في المادة أو الروح، فيعرف تبعا لذلك أن الأمر الفلاني مناسب للإنسان باستخدام الأسلوب الفلاني وهكذا .. ويقسم العلماء مقاصد الشريعة هذه إلى ثلاثة أقسام وهي حسب الأهمية والأولوية:
1. الضروريات:
ومعناها أنها لا بدّ منها في قيام مصالح الدين والدنيا بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدين والدنيا على استقامة، بل فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الآخرة فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين. وهذه الضروريات هي خمس، حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال. والحفظ يكون بأمرين فأما أحدهما فهو ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها وهو عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود، وأما الثاني فهو ما يدرأ عنها الاختلال ويحافظ عليها من كل ما يمكن أن يؤثر عليها أو يقوضها.
2. الحاجيات:
ومعناها أنها مفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب، فإذا لم تراع دخل على المكلفين الحرج والمشقة، ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد العادي المتوقع في المصالح العامة وهي جارية في العبادات والعادات والمعاملات.
3. التحسينيات:
وهي الأخذ بما يليق من محاسن العادات وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات، فهي التي تجعل أحوال الناس تجري على مقتضى الآداب العالية والخلق القويم. فإذا فاتت لا يختل نظام الحياة ولا يلحق الناس المشقة والحرج، ولكن تصير حياتهم على خلاف ما تقتضيه المروءة ومكارم الأخلاق والفطرة السليمة.
ولكل من هذه الأقسام الثلاثة مكملات وهذه بالتأكيد ليست على مرتبة واحدة،

الصفحة 10