كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)

2 - الدور الثاني: التشريع في عصر كبار الصحابة
الكتاب والسنة في الدور الثاني:
توفي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد تكامل القرآن نزولا ولكنه لم يجمع في مصحف واحد بين دفتي كتاب، بل كان محفوظا في صدور الحفّاظ وصحف كتّاب الوحي، وكان عدد الحفاظ في العهد النبوي كثيرا جدا. وكان قد وعى كثير من الصحابة حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، بعضهم في الصدور كأبي هريرة، وبعضهم في الكتابة في السطور لا تدوينا. وتولى أبو بكر رضي اللّه عنه الخلافة ولا يزال التشريع يعتمد على مصدرين أساسيين هما القرآن والسنة، وسنتكلم أولا عن القرآن وما طرأ عليه من جديد.
أ - القرآن الكريم في عهد أبي بكر رضي اللّه عنه
حصل في أول عهد أبي بكر رضي اللّه عنه ما دفعه إلى وجوب جمع القرآن كله في مصحف ذلك أنه واجهته أحداث جسام في ارتداد جمهرة العرب، فجهز الجيوش لحروب المرتدين، وكانت غزوة أهل اليمامة سنة 12 للهجرة تضم عددا كبيرا من الصحابة القرّاء، فاستشهد في هذه الغزوة سبعون قارئا (أي حافظا) من الصحابة، فهال ذلك عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، فدخل على أبي بكر وأشار عليه بجمع القرآن وكتابته بين دفتي كتاب خشية الضياع بسبب وفاة الحفاظ في المعارك. ولكن أبا بكر نفر من هذه الفكرة وكبر عليه أن يفعل ما لم يفعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وظل عمر يراوده حتى شرح اللّه تعالى صدر أبي بكر لهذا الأمر، فأرسل إلى زيد بن ثابت لمكانته في القراءة والكتابة والفهم والعقل، ولأنه كان صاحب العرضة الأخيرة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أي كان آخر الصحابة الذين قرءوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كاملا وقال صلّى اللّه عليه وسلّم:" خذوا عنه القرآن" أو بما معناه، وقصّ عليه قول عمر رضي اللّه عنه. نفر زيد من ذلك كما نفر أبو بكر الذي ظل يراجعه حتى شرح اللّه تعالى صدره لذلك. ويروي زيد بن ثابت فيقول:" قال أبو بكر: إنك شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فتتبّع القرآن فاجمعه. يقول زيد:" فو اللّه لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل مما أمرني به من جمع القرآن"، وقال لأبي بكر: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟.
قال: هو واللّه خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح اللّه صدري للذي شرح

الصفحة 102