كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)

اللّه له صدر أبي بكر وعمر، فتتبّعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري. لم أجدها مع غيره لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، [التوبة: 128] حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه اللّه، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر".
وكان زيد بن ثابت لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة، وقوله أنه لم يجد آخر سورة التوبة إلا عند أبي خزيمة الأنصاري لا يعني أنها ليست متواترة، وإنما المراد أنه لم يجدها مكتوبة عند غيره، وكان زيد يحفظها، وكان كثير من الصحابة يحفظونها كذلك، ولكنّ زيدا كان يعتمد على الحفظ والكتابة معا، فكان لا يكتب الآية حتى يأتيه اثنان من الصحابة حفظا هذه الآية من فم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، واثنان آخران كتباها بين يدي النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ولا يكتفي بمن كتب ولكن ليس بين يدي المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم، وهذا شرط لا بد منه حيث إن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم مع أنه كان أمّيا وبقي أمّيا حتى توفي ولكنه كان يصوّب ويصحح لكتبة الوحي الذين يكتبون بين يديه إذا أخطئوا وهذا من معجزاته صلّى اللّه عليه وسلّم. وهنا يظهر لنا شدة حرص زيد بن ثابت رضي اللّه عنه ومبالغته في الاحتياط. أخرج ابن أبي داود من طريق هشام ابن عروة عن أبيه أنّ أبا بكر قال لعمر ولزيد:" اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب اللّه فاكتباه". وفسر الجمهور أنّ المقصود شاهدين عدلين في الكتابة وشاهدين عدلين في الحفظ.
قال السخاوي:" المراد أنهما يشهدان على أنّ ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم" ... وقال أبو شامة:" وكان غرضهم أن لا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، لا من مجرد الحفظ ... ". والذي يظهر أنّ أبو خزيمة الأنصاري شهادته بشهادة رجلين ولذلك أخذ منه زيد بن ثابت. ولعله جاء بعد أبي خزيمة من عنده هذه الآية مكتوبة بين يدي النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ولكن زيدا كان قد اكتفى بأبي خزيمة لأن شهادته بشهادتين كما ذكرنا وذلك لأنه كان لأحد من اليهود دين على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أدّاه له، فجاءه اليهودي يوما وأخذ يوبخ رسول اللّه عليه الصلاة والسلام ويعيّره ويتهمه بأنه أخّر سداد دينه، فأخبره عليه الصلاة والسلام أنه أدّى له الدّين، ولكن اليهودي أنكر، فقال صلّى اللّه عليه وسلّم (من يشهد لي؟)، فقام أبو خزيمة فشهد له. فقال له صلّى اللّه عليه وسلّم: (كيف تشهد لي على شيء لم تره؟)، (أي إنك ما رأيتني حين سددت دين ذلك اليهودي)، فقال أبو

الصفحة 103