كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)
في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة ومصحف أن يحرق.
وقد شرعت اللجنة الرباعية في تنفيذ قرار عثمان سنة خمس وعشرين أي بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بحوالي أربعة عشر سنة. كتبت هذه المصاحف على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن. لقد تعمد الصحابة كتابة هذه المصاحف بالخط الذي يكون أكثر احتمالا للأحرف، وقد وفّقوا لذلك لعدم وجود النقط والشكل ...
وهكذا فإن الأصل في عمل عثمان أن يكون مستجمعا كافة الأحرف السبعة في مصاحفه وأن عثمان ومن معه لا يفرطون في شيء أوحى به اللّه إلى رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم.
روى ابن أبي داود أن سويد بن غفلة الجعفي قال:" سمعت علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه يقول: يا أيها الناس لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيرا (أو قولوا له خيرا) في المصاحف وإحراق المصاحف، فو اللّه ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا جميعا، فقال ما تقولون في هذه القراءة، فقد بلغني أن بعضهم يقول إن قراءتي خير من قراءتك وهذا يكاد يكون كفرا، قلنا فما ترى؟ قال نرى أن نجمع الناس على مصحف واحد، فلا تكون فرقة ولا يكون اختلاف، قلنا فنعم ما رأيت". واستنسخت اللجنة سبعة مصاحف، فأرسل عثمان بستة منها إلى الآفاق واحتفظ لنفسه بواحد منها هو مصحفه الذي يسمى" الإمام"، ولقد تلقّت الأمّة ذلك بالطاعة وأجمعت الصحابة على هذه المصاحف. ولقد جرّدت المصاحف العثمانية مما ليس من القرآن كالشروح والتفاسير، فمن الصحابة من كان يكتب في مصحفه ما سمع تفسيره وإيضاحه من النبي صلّى اللّه عليه وسلّم مثال ذلك: قوله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ... ، (البقرة: من الآية 198) ... فقد قرأ ابن مسعود وأثبت في مصحفه: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج، فهذه الزيادة للتفسير والإيضاح. وبهذا قطع عثمان رضي اللّه عنه دابر الفتنة وحصّن القرآن من أن يتطرّق إليه شيء من الزيادة والتحريف على مر العصور. وجمع عثمان للقرآن هو المسمى" ب:" الجمع الثالث". واتّبع زيد بن ثابت والثلاثة القرشيون معه طريقة خاصة في الكتابة ارتضاها لهم عثمان، وقد سمى العلماء هذه الطريقة ب:" الرسم العثماني للمصحف" نسبة إليه، وهو رسم لا بد من كتابة القرآن به لأنه الرسم الاصطلاحي الذي توارثته الأمة منذ عهد عثمان رضي اللّه